النّجم الثّاقب

لم يتركوا لك ما تقول

د طارق عوض سعد

لمحمد مفتاح الفيتوري مفتاح إنجليزي يفتتح به كل قصائده.

حين ناحت بغداد وأوعزت للبصرة بالخروج عن طوع الحاكم، جادت قريحة أبي العزيز الفيتوري بنائحته.

بغداد
بغداد يا بغداد
أكاد لولا وجهك العظيم
متوجًا بالنصر
أسقط في الذهول
وأكاد أؤمن
أن الجمال يكمن في الخرائب والطلول..

بكل الاجتهادات والصبر اللامحدود أمسكنا القلم، إن كفّ عن نجمك السمهر.. فالقطائف التي تجمل خاطريه أَوعى وأذكى من تحمل سياطك الشواظ..

ثمة قوم به يعبثون.. وقع النجم أسيرًا في غيهم..

كالجند في سوح القتال.. حين يشتد الوغى.. يجعلون من المعابد مخابئ..
والبشر دروعًا..

ونحن بفقه المحب تأبى سنان رماحنا من بغر أديمك الرهيف حبًا وودًا..

كجيڤارا وأغنامه وغاباته والرعاع..
إن كتبنا حرفًا، قالوا مجرمين، معارضين، مسوفين..
وإن سكتنا، استثاروا حتى الرماد لعل ثمة نارًا تصلح لذر حبيباته على العيون البصيرة..

أحدهم
صمت دهرًا
ونطق كفرًا
لماذا نتحدث عن كانتي؟

ولكأن كانتي قد خضنا غمار معلوماته من سلال الشياطين..

وبمنتهى التبلد ازداد كفرًا:
“أنتو كده بتضروا المريخ”..

بالله عليك وعلى مدمرك..

هل أتى على الناس حينٌ من الدهر، مريخٌ مثل مريخكم هذا؟
تضرر المريخ منكم حتى وهن الضرر من ضرركم…

مريخنا يا مريخ
أكاد لولا وجهك العظيم
أسقط في الذهول..

أنا أعلم، وهم وأنت وغيرنا..
أنهم لوثوا وجهك المجيد بالعهر الإداري والاضمحلال والوحل حتى صرت أطلالًا من جلامد الأمس..

ذبحوك
وهم لا يدرون أن لا ضير للشاة بعد سلخها

وأن الطفل السعيد حين أفتى بعدم جدوى النشر، كان ألعوبة لمسخ التعاويذ الموغلة في ترف لغو الحديث..
واللغو في محل الإعراب.. من تحدث وهو لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري..

كالببغاء في صدى النشيد حتى ولو كان خصمًا عليها..
كالشادي الثمل يهجو نفسه بنفسه طربًا بثوبه الأحمر، ولا يدري أن نشوته بانت في المسامع كالمونولوجيست الذي يهرطق خارج نص البيان.

صمت دهرًا
ونطق كفرًا
وليته صمت..
لوجدنا لطفولته البريئة صكّ إشفاق على لحنه النشاز..

لك الله يا مريخ

لم يتركوا لك ما تقول،
والشعر صوتك
حين يغدو الصمت مائدة..
وتنسكب المجاعة في العقول.

لم يعرفوك
وأنت توغل عاريًا
في الكون
إلا من بنفسجة الذبول.

لم يبصروا عينيك
كيف تقلبان
تراب أزمنة الخمول.

لم يسكتوا شفتيك
ساعة تطبقان
على ارتجافات الذهول.

لم يشهدوك
وأنت تولد
مثل عشب الأرض
في وجع الفصول.

لم يتركوا لك ما تقول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: محمي ..