ورطة في متاهة الفوضى!

أبو بكر الطيب
يقولون إن الدخول إلى المتاهات سهل، لكن الخروج منها هو التحدي الحقيقي. وهذا بالضبط ما يواجهه الاتحاد العام بعد أن أصرّ على إقامة الدوري في ظروف يعلم الجميع أنها غير مؤاتية، بسبب انعدام الاستقرار وغياب الجاهزية المطلوبة لضمان منافسة عادلة وقوية بمستويات فنية تليق بالكرة السودانية.
لقد جاء الدوري “خبط عشواء” بلا رؤية واضحة، فكانت النتيجة كما هو متوقّع: شكاوى متزايدة، انتقادات لاذعة، وبوادر أزمة قانونية تهدد بنسف كل ما بذله الاتحاد من جهد ووقت – إن كان الهدف فعلاً خدمة الكرة – أو بالأحرى محاولاته لنيل أموال الفيفا بأي ثمن. وعلى من مهّدوا الطريق لهذه “المهزلة الكروية” أن يتحمّلوا مسؤولية سهام الاتحاد الطائشة، والتي ستصيبهم عاجلًا أم آجلًا، وتؤدي إلى حتفهم الكروي. أما المتضررون من هذا العبث، فلهم الحق الكامل في اللجوء إلى القضاء دفاعًا عن حقوقهم وإنصافًا لما لحق بهم من ظلم.
إدارة بلا رؤية، وتخبط بلا مبرر
من المؤسف أن نشهد مؤسسة بحجم الاتحاد العام تدير أهم منافسة رياضية في البلاد بعشوائية مفرطة، وكأن الأمر لا يعدو كونه تجربة عشوائية يمكن التلاعب بمصيرها دون مراعاة للمعايير المهنية والأخلاقية. كان الأجدر بالاتحاد أن يُهيئ البيئة المناسبة لانطلاق دوري يُحترم فيه مبدأ تكافؤ الفرص، ويتم فيه الالتزام الكامل بلوائح واضحة تنظم المنافسة وتحمي حقوق الأندية واللاعبين على حدٍ سواء.
لكن ما حدث هو العكس تمامًا؛ قرارات متضاربة، برمجة مرتبكة، وتجاهل تام لصوت العقل الذي نادى مرارًا بتأجيل المنافسة حتى تكتمل الظروف المناسبة. هذا التخبط لم ينعكس فقط على المستوى الفني للدوري، بل امتد إلى المساس بمصداقية الاتحاد نفسه، الذي أصبح في مواجهة مفتوحة مع الأندية المتضررة والرأي العام الغاضب.
الأزمة القانونية تلوح في الأفق
التحذيرات من تداعيات هذه الفوضى لم تكن مجرد توقعات مبالغ فيها، بل هي واقع يزداد قتامة يومًا بعد يوم. فالأندية التي شعرت بالغبن والظلم بدأت في اتخاذ خطوات قانونية لحماية حقوقها، الأمر الذي يُنذر بمواجهة حتمية أمام محكمة التحكيم الرياضي الدولية (كاس) وغيرها من الجهات المختصة.
ولا يُخفى على أحد أن الاتحاد العام، إذا ما واصل نهجه الحالي، فإنه لن يواجه مجرد أزمات عابرة، بل قد يجد نفسه في مأزق حقيقي يهدد شرعيته أمام المؤسسات الرياضية الدولية، وعلى رأسها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا). وفي حال صدور قرارات قانونية تدين الاتحاد، فالعواقب لن تكون مجرد إعادة ترتيب بعض الأوراق، بل قد تصل إلى تجميد النشاط الرياضي بأكمله.
أين المسؤولية؟
إن الإدارة الحقيقية تتطلب شجاعة في الاعتراف بالأخطاء، وشفافية في مراجعة السياسات الخاطئة، ورغبة صادقة في الإصلاح. ولكن للأسف، يبدو أن الاتحاد اختار سياسة الهروب إلى الأمام بدلًا من مواجهة الواقع، وهو ما يزيد الأمور تعقيدًا.
لقد أصبح واضحًا أن هناك أطرافًا داخل الاتحاد تتعامل مع كرة القدم كوسيلة لتحقيق المكاسب الشخصية لا كرسالة لتطوير الرياضة الوطنية. هذه الذهنية لن تضر فقط الأندية واللاعبين، بل ستؤدي إلى انهيار ثقة الجماهير في المنظومة الرياضية برمتها، مما يُدخل الكرة السودانية في نفق مظلم قد يستغرق سنوات للخروج منه.
التاريخ لا يرحم والجماهير لا تنسى
إن الأيام كفيلة بكشف المستور، ومن اعتقد أن بإمكانه الإفلات من المحاسبة فهو واهم. فالتاريخ لا يرحم، والجماهير لا تنسى، والعدالة – ولو تأخرت – ستأخذ مجراها في نهاية المطاف.
لقد قال العرب قديمًا: “على الباغي تدور الدوائر”، وها نحن نرى هذه الدوائر تضيق شيئًا فشيئًا حول من ظنوا أن الفوضى ستحميهم من المساءلة. أما من ظُلموا، فستكون لهم الكلمة الأخيرة، لأن الحق وإن طال غيابه، لا بد أن ينتصر في النهاية.
ويبقى السؤال: متى يدرك الاتحاد أن مصير الكرة السودانية أمانة في أعناقهم؟ ومتى يستيقظ أولئك الذين أعمَتهم المصالح الشخصية عن رؤية الحقيقة قبل فوات الأوان؟
فالبتسويه كريت تلقاه في جلدها، والأيام القادمة ستكون كفيلة بإظهار من يقف مع الكرة السودانية ومن يقف ضدها.
والله المستعان.