وسط الرياح

الإعلام الرياضي والفساد – بين التواطؤ وكشف الحقائق!

الإعلام الرياضي والفساد – بين التواطؤ وكشف الحقائق!

أبو بكر الطيب

لطالما كان الإعلام الرياضي أحد أبرز الأدوات التي تُشكّل الوعي العام وتؤثر في مسار الأحداث، فهو الجسر الذي يربط الجماهير بما يدور خلف كواليس المؤسسات الرياضية. لكن، بين إعلام يسعى إلى كشف الحقائق وتحقيق العدالة، وآخر يُمارس التلميع والتضليل، يظل السؤال مطروحًا: هل يقوم الإعلام الرياضي بدوره في مكافحة الفساد، أم أنه أصبح جزءًا من المشكلة؟

إعلام يُغذي الفساد ويُبرر التجاوزات
في كثير من الأحيان، يتحول بعض الإعلاميين إلى أدوات في يد الفاسدين، يُستخدمون للتغطية على التجاوزات وتمييع القضايا. عندما يتورط اتحاد رياضي أو مسؤول في فضيحة فساد، تجد بعض المنابر الإعلامية تُسارع إلى تبرير هذه التجاوزات أو صرف الأنظار عنها.
لا يقتصر الأمر على الصمت عن الحقائق، بل يمتد إلى تشويه صورة كل من يجرؤ على كشف الفساد. فقد باتت هناك حملات مُمنهجة لاغتيال الشخصية تستهدف الأصوات النزيهة التي تسعى لإصلاح الواقع الرياضي. ومن المؤسف أن بعض الإعلاميين، بدلًا من أن يكونوا صوتًا للحقيقة، اختاروا أن يكونوا “أبواقًا” تُدافع عن الفساد وتُبرر قرارات متخبطة تضر بالمنافسات الرياضية.
لقد شهدنا مؤخرًا كيف يتجنب بعض الإعلاميين التطرق إلى الفوضى الإدارية التي يشهدها الاتحاد السوداني لكرة القدم، بينما يُمارسون دور “المُطبلاتية” الذين يُدافعون عن قرارات كارثية تُهدد مستقبل الكرة السودانية. هذا الصمت أو التبرير ليس سوى خيانة لمبادئ النزاهة وأخلاقيات المهنة، ويُسهم بشكل مباشر في استمرار الفساد وتعزيز نفوذ المتورطين فيه.

إعلام إيجابي… صوت للحق
على الجانب الآخر، هناك إعلاميون يرفضون المساومة على القيم والمبادئ، ويسعون جاهدين لكشف الحقائق، رغم ما يواجهونه من ضغوط وتهديدات. هؤلاء هم الأمل المتبقي لإصلاح الرياضة وفضح الفساد الذي ينخر مؤسساتها.
لقد أصبح من الضروري أن يتبنى الإعلام الرياضي نهجًا استقصائيًا يعتمد على الحقائق والوثائق بدلًا من الروايات المُفبركة. فالإعلام القوي هو من يكشف التجاوزات بجرأة، ويُسلّط الضوء على القرارات المتخبطة، مثل تلك التي أصدرها الاتحاد السوداني لكرة القدم بشأن استثناءات بعض الأندية في الدوري التأهيلي ثم التراجع عنها.
التحقيقات الصحفية المدعومة بالأدلة الموثوقة تُشكّل حاجزًا أمام محاولات الفساد، وتُجبر المسؤولين على التراجع عن قراراتهم المجحفة. وعلى الإعلام المسؤول أن يفتح المجال أمام الأصوات المهمشة والأندية المتضررة للتعبير عن موقفها والمطالبة بحقوقها.

محكمة التحكيم الرياضية – مطلب عاجل للإصلاح
أحد أبرز الحلول التي يجب أن يُسلط الإعلام الضوء عليها هو ضرورة إنشاء محكمة تحكيم رياضية محلية مستقلة تفصل في النزاعات المتعلقة بالمخالفات الرياضية. هذه المحكمة ستُتيح للأندية والأفراد المطالبة بحقوقهم بعيدًا عن تأثير الاتحاد، وستُخفف الأعباء المالية التي يتطلبها اللجوء إلى محكمة التحكيم الرياضي الدولية (CAS) والتي تُكلف مبالغ باهظة لا تستطيع كثير من الأندية تحملها.
يمكن للإعلام أن يلعب دورًا محوريًا في الضغط من أجل إنشاء هذه المحكمة، وفضح القرارات الظالمة، مثل تلك التي طالت أندية مثل الأهلي القضارف والدفاع الدمازين والشباب والتاكا كسلا، والتي باتت ضحية واضحة لقرارات الاتحاد المتخبطة.

الإعلام الرقمي – سلاح في يد الحقيقة
مع تطور التكنولوجيا، لم يعد الصوت الحر حكرًا على المنصات الإعلامية التقليدية. فقد أصبح للإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي دور محوري في كشف التجاوزات وإيصال أصوات المظلومين.
يمكن للرياضيين والجماهير، بل ولأي صاحب قضية عادلة، أن يُساهم في كشف الفساد عبر هذه الوسائل، مما يُشكل ضغطًا كبيرًا على الجهات المتورطة ويدفعها إلى التصحيح أو التراجع عن قراراتها المجحفة.

إن الإعلام مسؤولية وأمانة
لا يمكن لأي رياضة أن تزدهر في ظل إعلام مُتواطئ يُزين الفساد ويدافع عن المفسدين. وعلى الإعلاميين أن يُدركوا أن دورهم أكبر من مجرد نقل الأخبار، فهم في الواقع حُراس الحقيقة وأمناء على توعية الجماهير ومحاسبة المتجاوزين.
الإعلام الرياضي في السودان يواجه اليوم اختبارًا حقيقيًا: إما أن يُواصل البعض لعب دور “البوق” الذي يُدافع عن الفاسدين، أو أن يتحمل الإعلام الحر مسؤوليته التاريخية في فضح التجاوزات والدفاع عن الأندية التي يُراد لها أن تُدفن تحت ركام الفوضى.
إذا لم يتحرك الإعلام النزيه اليوم لمواجهة هذا العبث، فإن الغد سيكون أكثر قتامةً، وسيكون الجميع – إداريين ولاعبين وجماهير – ضحايا لهذا الانهيار المتواصل.

وأهلَكَ العرب قالوا:
هل نرى وقفة إعلامية جادة لإنقاذ كرة القدم السودانية؟ أم أن صوت الحق سيبقى خافتًا أمام صخب التبرير والتلميع؟
والله المستعان.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: محمي ..