
الرياضة بعد الحرب!
أبو بكر الطيب
مع انتهاء الحرب وعودة الحياة تدريجيًا إلى طبيعتها، تقف الرياضة السودانية عند مفترق طرق. فإما أن نستفيد من الدروس القاسية التي كشفتها الأزمة ونعمل على بناء منظومة رياضية حديثة ومتطورة، أو نعود إلى دوامة التدهور والتخبط التي كانت سمة بارزة قبل اندلاع الحرب.
لقد كانت الحرب فرصة مناسبة لتدارك الأخطاء، وكشفت عن هشاشة البنية التحتية الرياضية، وضعف الإدارة، وغياب التخطيط والشفافية. هذه المشكلات لم تكن وليدة اللحظة، لكن حان الوقت المناسب لمعالجتها، لأنها تعاني واقعًا مأساويًا يحتاج إلى مراجعة شاملة وجادة. فاستمرار الحال على ما هو عليه يعني أننا نسير بخطى ثابتة نحو موت الرياضة السودانية، بكل ما تحمله من قيم وتطلعات.
دروس يجب أن نتعلمها
لا بد من انتهاز هذه المرحلة واستخلاص العبر. ما حدث قبل الحرب من مشكلات متجذرة لا بد من مواجهته بشجاعة ومسؤولية. ومن أبرز الدروس التي يجب أن نستوعبها:
الإدارة الرياضية تحتاج إلى إصلاح شامل:
غياب الحوكمة الرشيدة والشفافية كان سببًا رئيسيًا في الفوضى والتدهور. لا بد من إصلاح المنظومة الإدارية عبر قوانين واضحة، وفصل المصالح الشخصية عن إدارة الأندية والاتحادات. لن تتقدم الرياضة ما دامت المصالح الضيقة تتحكم في القرارات.
مكافحة الفساد والتلاعب:
أحد أكبر معوقات التطور هو الفساد الذي أصبح متفشيًا في الأوساط الرياضية. من التلاعب في التسجيلات إلى استغلال النفوذ، كلها مظاهر يجب أن تتوقف. الرياضة تحتاج إلى مؤسسات رقابية مستقلة تحاسب كل من يعبث بها.
دعم الرياضيين وتوفير بيئة مناسبة:
لا يمكن لأي رياضة أن تتقدم دون الاهتمام بالرياضيين أنفسهم. يجب توفير بنية تحتية حديثة، وتأهيل الكوادر، ودعم المواهب الناشئة. فالرياضي هو العمود الفقري لأي نهضة رياضية.
التعليم الرياضي وتطوير الكوادر:
الاستثمار في التعليم الرياضي وتطوير كوادر تدريبية مؤهلة هو أساس بناء رياضة قوية ومستدامة.
تعزيز دور الإعلام الرياضي:
يجب أن يلعب الإعلام الرياضي دورًا فعالًا في كشف الفساد والتلاعب، وتوعية الجماهير، ودعم جهود الإصلاح.
لا عودة للفوضى والعبث
إلى أولئك الذين يحلمون بالعودة إلى الماضي، وإلى الوجوه المكررة التي اعتادت أن تتصدر المشهد دون تقديم أي إضافة حقيقية، نقول: لقد انتهى زمن الفوضى والعبث.
هذه المرحلة لا تحتمل إعادة إنتاج الفشل. من أفسدوا الرياضة بالأمس لن يُسمح لهم مجددًا بوأد أي فرصة للإصلاح. الوجوه التي فشلت في التطوير وكرّست للتخبط يجب أن تغادر المشهد. لن نقبل بعد اليوم أن تكون الرياضة ساحة لتحقيق المكاسب الشخصية أو منصة للظهور الإعلامي دون عمل.
الجماهير الرياضية تدرك جيدًا من عمل بصدق لتطوير الرياضة، ومن جعلها مرتعًا للمصالح الضيقة. ولن تسمح هذه الجماهير، التي عانت من الفوضى، بأن يعود أي شخص إلى مواقع المسؤولية دون أن يحمل مشروعًا واضحًا للإصلاح والتغيير.
رسالة إلى المتلاعبين: كفى عبثًا!
المرحلة القادمة لا تحتمل المزيد من المجاملات أو محاولات الالتفاف على مطالب الإصلاح. على كل من تسلم مسؤولية رياضية أن يدرك أن العيون مفتوحة، وأن المحاسبة آتية لا محالة.
إذا كنتم تحلمون بالعودة إلى تلك الفوضى العارمة التي أفسدت رياضتنا لسنوات، فاعلموا أن الزمن تغيّر. لن يُسمح بعد الآن بإدارة الرياضة بعقلية الماضي البائس، ولن يكون هناك مكان لمن يفتقر إلى الكفاءة والشفافية.
لقد حان الوقت أن نؤسس لمرحلة جديدة تقوم على العدل والكفاءة والعمل. الرياضة ليست ملكًا لفرد أو جماعة، وأصحاب الأموال الذين يتوهمون بأن إدارة الأندية والاتحادات ملك لهم وحدهم فهم واهمون. بل هي حق لكل رياضي يتطلع إلى رؤية ناديه أو اتحاده في المقدمة.
واهلك العرب قالوا:
من أراد خدمة الرياضة، فليتقدم برؤية واضحة وعمل ملموس. ومن أراد الفساد والتلاعب، فليعلم أن الوسط الرياضي لن يرحم من يعبث بأحلامه.
والله المستعان.