الصحافة مهنة طاردة!!
محمد الطيب كبّور
* طالعت عمود أستاذنا الفاضل إسماعيل حسن الذي نشر بالأمس، تحت عنوان “بلادي وإنّ جارت عليّ عزيزة” وانتابني حزنٌ عميق لما وصل إليه حال مهنة الصحافة، التي أصبحت طاردة بشكلٍ غير مسبوق لذا هجرها الكثيرون في الفترة الأخيرة، ولو حاولت إحصائهم لما اتّسعت مساحة هذا العمود، وآخرهم كان الأخ الزميل عبدالله نورالله الذي استقرّ في مصر، وهي ذات وجهة أستاذنا إسماعيل حسن الذي أفصح عن أنّه “مكرهٌ لا بطل”، وهو يخطو هذه الخطوة بعد أنّ أصبح عائد مهنة الصحافة لا يفيّ بأدنى متطلّبات الحياة، التي هي في تزايد مستمر، لدرجة أنّ شارع الجرائد أصبح كالوكر المهجور، بعدما كان يعجّ بالمارة وبالجلسات التي تضم كل الزملاء من مختلف الصحف بكافة تخصّصاتها، وذلك لأنّ العائد لم يعد يقوى على مقارعة الحياة اليومية وتكاليفها، لذا فإن البحث عن بدائل صار هاجس كلّ المشتغلين في مهنة الصحافة، كما أن الكثير من الصحف قد أوصدت أبوابها وتمّ تسريح العاملين فيها، والصحف التي لا زالت صامدة تعاني من ظروف معقدّة جدًا ومن موجة تذمر بين أفراد طاقمها، الذين يطالبون بزيادة المرتبات وتحسين بيئة العمل.
* وواقع حال مهنة الصحافة يؤكّد أنّها تعيش حاليًا أسوأ فتراتها، واستمرار الحال بهذه الوضعية صعب للغاية، إذ لا يعقل أنّ يصل حدّ المعاناة أنّ يكون الراتب الشهري لا يكفي لمنصرف أسبوع، والسؤال الذي يطرح نفسه هو من أين للصحفي أنّ يفيّ بمصاريف الثلاثة أسابيع المتبقية من الشهر؟ وكيف له أنّ يستمرّ في مهنة لا توّفر له عيشُ كريم بدرجة وسطية بعيدًا عن الرفاهية؟
* إن هجرة أستاذنا إسماعيل حسن مؤلمة للغاية، من بعد كلّ هذه السنوات التي قضاها في مهنة أحبها ومنحها كلّ وقته، وهو الشخص المرتبط بالوطن وبالتفاصيل الجميلة لهذا الشعب، وهو أحد الأشخاص الجميلين المتواضعين، الذين تشعر بأنّ هذه الدنيا ما زالت بخير عندما تجالسهم، لبساطته وعفويته وصراحته وقلبه الأبيض الذي لا يحمل فيه حقد لأحد وهو لم يعش إلاّ كحمامة سلام، كما أن قلمه قد ظلّ قلمًا مهادنًا رقيقًا مهذّب الكلمة جميل العبارة، كما ظلّ في أيّ استضافة عبر الإذاعات أو محطات التلفزة رائع الحضور صادقًا غير منحاز، وله رؤيته المحترمة جدًا في التعاطي مع كلّ القضايا المطروحة دون تجريح، لذا فإنّه يحظى باحترام الجميع في الوسط الرياضي بمختلف ألوانه، ولا نملك إلاّ أنّ نقول له وفقك الله في هذه الخطوة، وإنّ شاء الله سيتيسر أمر بلادنا وتخرج من كبوتها، حتى تعود الحياة فيها جاذبة ويعود كلّ المهاجرين إلى حضن الوطن، وتعود مهنة الصحافة لتمارس دورها كمهنة إبداعية تحظى بالاحترام، وتحقّق آمال وطموحات المشتغلين فيها.
أكثر وضوحًا
* مهنة لا تبني مستقبلًا ولا تفي بمتطلبات الحياة اليومية كيف سيصمد العاملين فيها! أوضاع قاسية جدًا يعيشها الصحفيين، ومع هذا ظلوا متمسّكين بالاستمرارية لإيصال رسالتهم على أمل أنّ تنصلح الأحوال.
* التفكير في الهجرة يشغل بال الكثير من الزملاء الصحفيين، وبعضهم بالفعل وزّع أوراقه على معارفه في مختلف الدول، عسى ولعلّ أنّ يحظى بفرصة عمل لتحسين أوضاعه ليحقق أمانيه وتطلعاته.
* طالعت منذ فترة تقريرًا عن بعض الأساتذة، الذين هجروا مهنة الصحافة وانخرطوا في مهن أخرى، وهم كثر بينهم أسماء أساتذة كبار لهم تاريخ وبصمة في عالم الصحافة بمختلف تخصصاته.
*أمّا آمال التطوير والتدريب فإنّها ستظلّ مركونة، لأنّ الواقع لا يشجّع عليها فالأولويّة الآن للمعايش، ولأن ردم الهوة بين الدخل والمنصرف صار مستحيلًا، فإنّ صالة المغادرة بمطار الخرطوم ستفجعنا كلّ يومٍ بمغادرة عزيز علينا.
* الزملاء في صحيفة الانتباهة طالبوا بتحسين أجورهم، ورفعوا مذكرة بذلك لإدارة الصحيفة، والأمور وصلت لفصل ثلاثة صحفيات لذا فان الزميلة هاجر سليمان قدّمت استقالتها، وإذا لم يتمّ الوصول إلى حل فإنّ المزيد من الاستقالات ستكون على طاولة إدارة الصحيفة.
مُجرّد سؤال
أيُعقل أنّ يكون العائد من العمل لا يغطيّ المصاريف الشخصية؟