إعداد: محمد الطيب كبّور
قرار الاتحاد الأفريقي الأخير بشأن الملاعب السودانية، كشف عورة الكرة السودانية التي تعاني من البُنية التحتية، رغم أنها أساس التطور الرياضي، فبدون ملاعب صالحة لا يمكن أن تتقدم كرة القدم، وهي حقيقة يتغافل عنها الجميع بدءً من صناع القرار في وزارة الشباب والرياضة، مرورًا بالاتحاد العام وصولًا إلى إدارات الأندية، ورغم وجود عدد كبير من الملاعب بالسودان إلا أن القرار كان شاملًا “لم ينجح أحد”، وأصبحت استادات السودان جميعها خارج الخدمة، وهي فعلًا غير صالحة لممارسة كرة القد ولا أبالغ لو قلت إنها تُعرِّض حياة اللاعبين للخطر، حيث أن جُلّ أرضيات تلك الملاعب بها من الحفر والمطبات ما لا عين رأت، كما أن النجيل فيها لا يغطي مساحة الملعب، والنجيل الصناعي تم استهلاكه بشكلٍ كامل حتى صار صلبًا للغاية مما يعرض اللاعبين للإصابات، فضلًا على وجود إشكالات إضاءة الملعب سببها عدم استقرار التيار الكهربائي مع تفاقم أزمة الوقود التي زادت الطين بِلّة، ومرتاد هذه الاستادات حتمًا يدرك أن قرار المنع هذا قرارٌ صائب، وذلك لافتقار استاداتنا لابسط المقومات، لدرجة أن نصفها يعيبه عدم وجود دورات مياه تصلح للاستخدام الادمي، فالرياضة هي نوعٌ من أنواع الترفيه والترفيه لا ينبغي أن يكون به أي شكل من المعاناة، فما بالك بأن تكون المعاناة في أمر هام كقضاء الحاجة، كما أن الجلوس المدفوع القيمة ينبغي أن يكون مُريحًا لا يسبب الإرهاق، إلا أن مقاعد كلها ممزقة ومتسخة ومهترئة بطريقة تثير الاشمئزاز، كما أن أضية المُدرجات مشبّعة بالأتربة والأوساخ، لذا فإن المراقبين الذين تم ابتعاثهم من الاتحاد الأفريقي لمعاينة استادات السودان قد أعلنوها صريحة بلا تردد منعًا للتودد، ورغم أن القرار مؤلم إلا أنه قرارٌ يضعنا وجهًا لوجه أمام الحقيقة، التي ظللنا نتهرّب منها دائمًا وأبدًا باستخدامنا لأسلوب المداراةء حتى لا نواجه مشكلة القصور الإداري مواجهة حقيقية، حيث ظل ملازمًا لتدهور ملاعبنا التي زاد عليها الطين بلة كثرة الاستهلاك، حيث أن سوء نظام التجميع سواءً لبطولة الدوري الممتاز في العاصمة بالإضافة إلى مباريات المنتخب، كان سببًا لأن يستقبل الملعب أكثر من مباراة في اليوم الواحد، فضلًا عن تدريبات الأندية ومباريات دوري الدرجة الأولى، فكم من مباراةٍ مُعلَنة من الاتحاد العام تم إلغائها لتضارب موعدها مع مباراة أخرى مُعلَنة من الاتحاد المحلي، وهي ظاهرة قبيحة خصمت الكثير من أكبر بطولات السودان، كما خصمت أيضًا من منتخبنا حين لعب مبارياته في المملكة المغربية، بعد أن قبلت المغرب على استضافتنا عقب اعتذار مصر عن قبول الاستضافة، لكن بعدها وافقت على استضافة مباراة الأهلي مروي في السويس، وعلى استضافة المريخ في ملعب السلام بالقاهرة، ثم على استضافة الهلال في ملعب السويس، وهذا كله يأتي بمثابة المسكن لكن العلاج هو بالتدخل الجراحي العاجل، حتى تعود الحياة بالفعل إلى استادات السودان، وحتى لايتعرض السودان مرة اخري لمثل هذه الموقف، كما المدينة الرياضية ذلك الحلم الذي طال انتظاره لأكثر من عشرين عامًا، تمثل هي أيضًا أحد الحلول لأزمة الملاعب السودانية، لو سارعت الخطى في تجهيزها لتستقبل ولو جزء من الفعاليات الرياضية، سواءً في المنافسات الداخلية أو الخارجية، وكم أتمنى لو وضعت الدولة ملف الملاعب هذا على جدول أولوياتها، فالرياضة ليست مجرد لهو بل هي واجهة من واجهات الدول التي تعكس مدى تطور الدول ومقدار تحضر شعوبها، وفي نفس الوقت فهي متنفس لشعبنا الذي يُعاني في جميع مفاصل الحياة، حيث يجد بها منفًا من منافذ الترويح عن النفس، كما أن الرياضة يمكن اعتبارها إحدى الدعائم للاقتصاد، فالكثير من الدول تعتمد فعليًا على الرياضة، لكن حجر الأساس في ذلك هو البنية التحتية، والسودان في الماضي بتاريخه الباذخ وموقعه في القارة السمراء ووصفه كأحد مؤسسي الاتحاد الإفريقي، مما جعله متألقًا في الرياضة، لكن للأسف فإن حاضره هزم تاريخه، وجعل الجميع متخوفًا من مستقبله في ظل هذا التدهور المستمر، بالأخص مع إدارة البروف كمال شداد للاتحاد العام، الذي يمكن وصفه بعهد الدمار، فهو لم يحرك ساكنًا في ملف البنية التحتية للكرة السودانية، على الرغم من تزعمه لمجموعة تسمى بمجموعة النهضة، بل إنه كان سببًا مباشرًا لخروج استادات السودان عن الخدمة، باتباعه لنظام التجميع لبطولة الدوري الممتاز، مما شكل ضغطًا علي ملاعب العاصمة، بالإضافة لعدم سعيه لاستحقاقات المنتخب الوطني، وعدم قيامه بمجهود ليجري أي إصلاحات يمكنها أن تطيل عمر الاستادات، وعلي صعيد الأندية فإن إدارة نادي المريخ في عهد سوداكال قد مارست أسوأ انواع الإهمال، مما حول القلعة الحمراء إلى خرابة ظلت مغلقة لأكثر من عامين، حيث أن إعادة القلعة الحمراء إلى الخدمة يحتاج إلى جهد كبير ومال وفير، أما استاد الهلال فهو الآخر لم يشذ عن القاعدة، حيث لحق بشيخ الاستادات وباستاد المريخ وإن كانت الملاحظات حوله اقل، إلا أن الزمن لم يُسعف إدارة نادي الهلال لإجراء اللازم فأصبح لسان حاله يقول “موت الجماعة عرس”، وبذلك فإن جميع الاستادات تكون غير صالحة ويبدأ مسلسل البحث عن ملاعب بديلة، إلى أن تحدث استفاقة من صدمة المنع، وتبدأ عملية تصحيح المسار التي يمكنها إعادة الحياة للملاعب السودانية، خصوصًا عقب عودة الجماهير تدريجيًا إلى المُدرجات