مننتخبنا جيشنا على المستطيل الأخضر..!
صوفي أبو سمرة
لعب منتخب السودان بنديّة وحظوظ متساوية أمام منتخب السنغال في التصفيات المؤهلة لكأس العالم المقامة في كندا، أمريكا، المكسيك 2026. أسود التيرانغا، الاسم الإفريقي الذي ارتبط بالمونديال، هذه التظاهرة العالمية الحائزة على كل اهتمام وشغف عشّاق كرة القدم، والتي تشغل الدنيا كلها منذ تصفياتها الأولى وحتى قيام فعالياتها كل أربع سنوات.
السودان أمام السنغال -بهذا الوصف- حتمًا سيأتي ثانيًا في كل شيء، هكذا تقول الشواهد والثوابت وترتيب المنتخبات في القارة السمراء والتوقعات وفرص التأهل، ولكن في هذه المرة جاء منتخب السودان بوضعية مختلفة وظهور مختلف، وفرض اسمه بقوة وفرصًا زاخرة بأولوية في الترشح وحسابات الفوز الواردة، وإمكانية تأهل السودان حتى على حساب السنغال نفسها.
إذ دخل السودان اللقاء متصدرًا مجموعته، وهذا وحده كان كافيًا ليكون أكبر محفّز للظهور المشرف، وانتزاع نقطة من بين مخالب الأسود، ليحافظ المنتخب السوداني على فارق النقطتين، وتظل الحسابات كما هي، وفرصة السودان في الترشح التي تفوق 80% كواقع فرض اسم السودان بقوة، ليدخل منتخبنا مباراته القادمة مع منتخب جنوب السودان بفرضية الفوز والثلاث نقاط، هدف لا بديل عنه لتعزيز الصدارة والمحافظة على فرصة الصعود، التي جاءت بعد مشوار عظيم من البذل والعمل الجاد في ظروف استثنائية جدًا، ليتصدر السودان الحدث سياسيًا ورياضيا.
دخل منتخب السودان أرض الملعب باللون الأبيض، هذا اللون الطاغي الذي يفرض مشاهدة جاذبة وحضورًا مميزًا، فكان الأخضر بجانبه يبدو كوصيف، رغم احتشاده بنجوم جابت ملاعب أوروبا طولًا وعرضًا.
هكذا نزل نجومنا أرض ملعب استاد شهداء بنينا ببنغازي، فخامة تحدث عن نفسها، والجماهير السودانية أكملت اللوحة التي أرادت لها العزيمة السودانية أن تكون زاهية وفارهة، في انحياز سافر للسودان، كان واضحًا وجليًا في إرادة المحافظة على الصدارة، خارج وداخل الاستاد الذي امتلأ بالشعب الأسمر، الذي استلم زمام مبادرة تعليم الشعوب كيفية رغبة البقاء بصمود أمة أبيّة وجيش مقدام منذ سنتين خلت.
فكان الحضور والهتاف ينطلق من بنغازي لتسمعه كل الدنيا: (فوق فوق سودانا فوق)، في رسالة قوية، صريحة وضمنية، لكل من أراد أن يُسكت صوت السودان ويقلب اللوحة البهية على وجهٍ آخر، لتأتي روح التحدي السودانية بعزة وشموخ، شعبًا وحكومة وأرضًا، لتبقى الدولة سودانية حرّة راسخة، شاهد على العصر، وصانع للتاريخ على مرّ الأيام في كل المحافل.
كل عناصر منتخبنا كانوا أبطالًا، حتى أولئك الذين كانوا أقل عطاءً أو أكثر أخطاءً، حتى من أهدر سانحة أو اثنتين مما لا يجب أن يُهدر في هكذا تنافس، الفرص فيه ليست من ذهب وحسب، بل هي أغلى من ذلك وأندر.
كانت المواجهة كبيرة، والشد النفسي والضغط الذهني حاضرين، والمشاعر المتضاربة، ورغبة الفوز من أجل الوطن الذي ينزف هناك، ومن أجل أولئك الذين احتشدوا بالألوف هنا، حاملين تطلعات أمة اغتالت أحلامها الحروب. ليلتها، كلهم كانوا أبطالًا على المدرجات وعلى المستطيل الأخضر، من حراسة المرمى، والحارس القوي الرصين مصطفى، الذي وقف سدًا منيعًا في الذود عن بوابة السودان، وكوكو وخميس ورمضان، هذا الذي فعل (العجب) وانتزع إعجاب المتابعين في كل مكان.
ولا ندري أي مهام أوكلها إليه المدرب المونديالي أبياه، ولكننا شاهدنا تلك المهام، وشاهد العالم كيف كان رمضان ملازمًا لماني كظله، حتى في سكناته وشاركه الأفكار، ويقيني أن ساديو خرج غاضبًا لأنه لم ينل حظه من الأكسجين الكافي طوال 90 دقيقة، وبلغة ناس الكورة: رمضان (كتم أنفاسه)!
لا نريد أن نتحدث عن منتخب السودان من الناحية الفنية والأداء، فأهل الشأن كفوا وأوفوا، ولكن كان المنتخب السوداني عشية السبت على قدر التحدي الذي يعيشه السودان كنصيب مكتوب علينا، قبلناه، وكان متزامنًا وعلى قياس الحدث الأكبر الذي تصدّر كل محطات أخبار العالم، وهو تحرير قصرنا الشعبي في خرطوم الصمود والإباء، رمز سيادتنا وعزة الوطن، وجيشنا ينتقل من نصر إلى نصر بعزيمة وثبات، وكان منتخبنا جيشًا آخر يصنع الحدث على العشب الأخضر، امتدادًا لانتصارات يسطرها جنودنا البواسل بالدم على تراب أرض الوطن.
اليوم يعود منتخبنا بنفس المهام، وذات الهدف، وكل الإرادة، لينازل منتخب جنوب السودان بملعب شهداء بنينا، ليحافظ على صدارته للمجموعة الثانية، وفرصة ترشحه بالصعود متأهلًا في هذه التصفيات، بتطلعات أمة انطلقت من وهدة الحروب والخذلان، محلّقة إلى آفاق النصر، وإعادة صناعة التاريخ، والعودة بالسودان إلى أمجاده التليدة، الضاربة في أعماق التاريخ منذ آلاف السنين، حيث كنا حضارة جبارة، وسيرة راسخة لوطن جاء ليكون رمزًا للخلود والسؤدد، لا مجرّد رسم في خارطة.
إنه السودان.. وطن النجوم، محفل الأضواء التي ترفض الانطفاء، وكأنه وعد السماء لنا بأن زمان النصر قد جاء.
اللهم إنها أرضُنا التي لا نرضى بغيرها بديلًا، استودعناكَها يا من لا تضيع عندك الودائع.
طِب أيها السودان، أرضًا وشعبًا وجيشًا، وانتصر.