فدا لعينيك أيَّتُها الخرطوم
د طارق عوض سعد
يا صندل الليل المضاء
افرد قميص الشوق
حين تطل سيدة المدائن
فالمجد جاء
وتناثر الاحد الصبي
يهز اعمدة الغناء
لو زندها احتمل الندى
لكسوت زندك ما تشاء
ابرتين من العبير
وخيط ماء
..
الانتصار الأكبر والأبهر للجيش السوداني وإجادته الملهمة
في حرب المدن في مدينة كبيرة بحجم الخرطوم دون تدميرها..
ميزة لا يجيدها إلا الأباهر من فلذات أكباد جيشنا الأشم.
إن الندبات والحرائق التي شوّهت وجه الخرطوم الصبوح،
تستحقّ عليها المليشيا لعنات الشعب السوداني بأكمله،
وفي ذات الوقت نكيل أسباب التباريك والسعود لجيشنا الباسل،
الذي عمل ما بوسعه لمفاداة ومجاراة المليشيا في فعلها المنبوذ،
امتثالًا لتثقيفية قول القائد الكاهن: “الحفر بالإبرة”.
سوريا في كفاحها لإخماد جذوة التمرد صاغت عبارة دامعة:
“كانت هنا مدينة”،
وليتها بعد ذلك فلحت.
في أوكرانيا انتحرت باخموت،
وفي العراق ناحت البصرة والأعظمية، وبكت أمواج الفرات.
كان جيشنا يدرك أن دموع الخرطوم الحرّى عزيزة على بنيها الأوفياء،
شبابًا وشيّابًا، ويَفَع غزلوا الدماء بالأعراق،
سخيّة لأجل ياقوت الكرامة وعقدها النضيد على جيد الحرائر.
وهل الغناء إذا تساقطت الدموع هو الغناء؟
وهل التناهي في الظهور هو التناهي في الخفاء؟
قد مرّ على ترابك الطاهر ذات يوم
جرذان وقَطَفان طغاة
أتوا فوق دبابة
وتسلّقوا مجدًا
وحاصروا شعبًا
غاصوا في جسمه
ثم هاموا بعيدًا
ونصّبوا من أنفسهم للفجيعة ربًّا…
قومٌ وليسوا بقوم…
نبتٌ شيطاني تمظهر ثم تداعى،
وترك جيناته في لحاء الأشجار،
وماء الأمطار،
والتقاليد الأبكار…
طرقوا نحاس العِدا على أذنيكِ
التي كانت لا تسمع إلا للكابلي والباشكاتب ووردي،
وتذهل طربانة حين يحدثها علي المك، وحسين خوجلي، ومحمد خوجلي صالحين…
وتدقّ الصخر حتى يخرج الصخر زرعًا وخضرة
حين تقرأ وضّاحة الأثير روضة الحاج:
“لكِ إذا جاء المطر”
وتذوب قداسة إذا ما تبسمل الشيخ الورِع صديق أحمد حمدون بالقارعة:
“وما القارعة”
وترقص لموسم الهجرة للطيب صالح،
وتنتبه إجلالًا لفَرائضية اللغة عند العلامة الحصيف عبدالله الطيب والفطْحَل فَرّاج الطيب.
مدينة ليس بوسعها اليأس،
تُفدى بالقلوب المزهرِة بماء الورد، والسيف، والقلم، والرصاص.
فداءً لعينيكِ الدماء
التي خطّت على الأرض
سطور النضال
داست على جلادها وهي في سجونه
واستُشهدت بجلال.
مدينة ليست كالمدن…
غارقة في متاهة العاشقين…
تدور
ثم تدور
ثم تعود في قلبي
لتسكن شاطئيك.
ولكن أزهار بخيلة
بخلت على قلبي
كما بخلت عليكِ…
فلق الفجر ضوؤه النيروز على وجهك الفيروز،
وهرع الرعديد يجوس الوهاد والصحاري والوديان،
وأصبح الصبح،
ولا السجن،
ولا السجّان باقٍ،
وإذا الفجر جناحان يرفّان عليكِ…
نامي أيتها الورِيقة…
إن النتوءات التي تبدو على ثغرك الباسم
لكأنّها قصعة من السُمّ النقوع لغيظ الأعداء.
نامي أيتها الولود…
فقد خلّفت أحشاؤك ألف نطّاس ونطّاس
لن يعوزهم المشرط لتضميد جُرحك الأليم.
رحم الله الشهداء الأبطال وتقبّلهم،
وشفى الجرحى،
وعودًا حميدًا للمأسورين والمفقودين.