وسط الرياح

اتحاد الخرطوم…!!

 

 

أبو بكر الطيب

احترام القضاء أولى الخطوات في طريق الإصلاح

في مقالات سابقة، تناولنا أزمة اتحاد الخرطوم المحلي لكرة القدم وما ترتّب عليها من تعقيدات قانونيّة وإدارية، كان أبرزها الأحكام القضائية الصادرة بشأنه، والتي قوبلت – في وقتها – بممانعة واضحة من قبل الإدارة القائمة، ورفضٍ صريحٍ للامتثال لأوامر المحكمة، في سابقةٍ خطيرةٍ تُعبّر عن ازدراءٍ للقانون واستخفافٍ بأعلى سلطة قضائية في البلاد.

هذه المواقف المتعنّتة كانت السبب الرئيس في تفاقم الأزمة، وتعطيل نشاط الاتحاد، وخلق حالةٍ من الفراغ الإداري والفني أثّرت سلبًا على مسيرة الكرة في ولاية الخرطوم، وأضعفت من حضور الاتحاد في المحافل الإدارية والرياضية، محليًا ووطنيًا.

واليوم، وبعد أن بدأت الأوضاع تعود تدريجيًا إلى طبيعتها في البلاد، عقب انتهاء الحرب، ظهرت محاولات من بعض الجهات لتجاوز قرار المحكمة، عبر طرح بدائل خارجة عن الإطار القانوني، من خلال تكوين لجنة موازية يتم اختيارها وفقًا لمصالح محددة، وعرضها على الاتحاد السوداني بغرض اعتمادها بقرار منه، في تجاوزٍ واضحٍ لقرار الوزير رقم (50) ولما قضت به المحكمة.

غير أن موقف الاتحاد السوداني لكرة القدم هذه المرة كان مختلفًا، حيث أبدى التزامًا تامًا بأحكام القضاء، وأعلن احترامه لقرارات المحكمة، مؤكدًا أن تنفيذ الحكم واجبٌ لا يقبل الالتفاف أو المراوغة. وقد شكّل هذا الموقف نقلة إيجابيّة في تعاطي الاتحاد مع الأزمات، ورسالةً واضحة بأن دولة القانون يجب أن تكون المرجعية الوحيدة لحل النزاعات، بعيدًا عن المحاباة والترضيات.

وفي ظل هذه التحولات الإيجابيّة، جاءت مبادرة قروب “قضايا رياضية”، التي طرحت قضية اتحاد الخرطوم بكل تجرد وموضوعيّة، وناقشت أسباب الأزمة وتداعياتها، وطرحت الحلول الواقعيّة التي يمكن أن تُعيد لهذا الاتحاد حيويّته ودوره القيادي. ونتج عن هذه المبادرة تشكيل لجنة من أعضاء القروب، تم تكليفها بالجلوس مع جميع الأطراف ذات الصلة، بهدف الوصول إلى حلّ توافقي وعادل يضمن استعادة نشاط الاتحاد في أقرب وقت ممكن.

وهنا، لا بد أن نؤكد على أن نجاح هذه المبادرات لن يتحقّق ما لم يتم تجاوز الخلافات الشخصيّة، ونبذ الولاءات الضيّقة التي أضرّت بالرياضة وشلّت مؤسساتها. لقد أثبتت التجربة أن تقديم المصالح الفردية على المصلحة العامة لا يجلب سوى الخراب والانقسام، ويؤدّي في النهاية إلى ضياع الحقوق وتكريس الفوضى.

إن الرياضة عامة، وكرة القدم على وجه الخصوص، لا يمكن أن تنهض في بيئةٍ يسودها التنازع والتخوين والإقصاء. ما نحتاج إليه اليوم هو روح المسؤولية، والإيمان بأن ما يجمعنا أكبر مما يفرّقنا، وأن الخرطوم تستحق اتحادًا قويًّا، موحّدًا، يُمثّل كل الرياضيين بعدالة، ويعكس تطلعاتهم في التطوير والتقدّم.

وعليه، فإننا نوجّه دعوة صادقة لكل الغيورين على مصلحة الرياضة في ولاية الخرطوم – من إداريين ورياضيين وإعلاميين ومهتمين بالشأن العام – للانخراط في هذه المبادرة، وتقديم آرائهم ومقترحاتهم، والعمل يدًا بيد من أجل إنجاز هذه المهمة الوطنية، حتى يعود اتحاد الخرطوم إلى موقعه الطبيعي، رائدًا في الميدان، وركيزةً في البناء، وبيتًا جامعًا لكل الرياضيين بلا إقصاء ولا تهميش.

فالمرحلة القادمة تتطلّب منّا أن نُقدّم المصلحة العامة، ونرتقي فوق الخلافات، ونفتح صفحة جديدة عنوانها التعاون والتكامل، من أجل رياضةٍ سودانيّة نزيهة، شفّافة، قائمة على العدالة واحترام القانون.

وأهلك العرب قالوا:
“إذا أردت أن تبني للمستقبل، فأبدأ بإرساء العدل والشفافيّة.”

اليوم، لنبدأ بإصلاح ما انكسر بعقلٍ مفتوح وقلبٍ صادق،
فالخرطوم تستحق الأفضل دائمًا.

والله المستعان.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: محمي ..