وسط الرياح

حينما نخذل أنفسنا باسم العاطفة!!

عدد الزيارات: 21٬005

ابو بكر 4

 

أبو بكر الطيب

في خضم تفاعلاتنا الإنسانية، قد نجد أنفسنا مندفعين بعواطف جياشة، ورغبة صادقة في منح الحب والاهتمام والدعم لمن حولنا. لكن، في غمرة هذا العطاء، قد نغفل عن حقيقة مؤلمة: أن منح العاطفة بلا وعي، وتقديم الذات دون مقابل أو تقدير، ليس حبًا بالضرورة، بل قد يكون بداية لمعركة خاسرة نخوضها ضد قلوبنا، ونهاية محتومة بالخذلان.

إن أكثر أسباب الخذلان وجعًا هو ذاك الذي نصنعه بأيدينا، حينما نمنح عاطفتنا دون وعي. نسكب مشاعرنا في أرض قاحلة لا تُنبت تقديرًا ولا تبادلًا حقيقيًا. نُقدّم بسخاء، ونعطي دون أن نأخذ ولو قليلًا من الاهتمام أو التقدير الذي يليق بعطائنا. نندفع لتقديم المساعدة، ونُعطي دون أن يكون لذلك أثر حقيقي في حياة الآخر، أو حتى اعتراف بجهدنا.

نُصبح سهلين، متوفرين، ورهن الإشارة لشخص لا يبذل أدنى جهد للبحث عنا، ولا يُقدّر قيمة وجودنا أو ما نُقدّمه. نتوهم أن هذه طاقتنا، ونُنهك أنفسنا في علاقة غير متوازنة، ونعرض مشاعرنا لإذلال صامت حين لا نجد الصدى أو التقدير المنتظر.

فلا نعجب من الخذلان حينها. ليس الآخر هو من خذلنا بالكامل، بل نكون نحن من خذل نفسه أولًا. خذلنا أنفسنا حين رخصنا قيمتها، وأهدرنا مشاعرها في غير موضعها، وتجاهلنا حاجتها للتقدير والتبادل. سمحنا بأن نكون مجرد خيار ثانوي، أو مصدرًا مؤقتًا للراحة، دون أن نُطالب بمكانة حقيقية في قلب وعقل الطرف الآخر.

وأخيرًا: إن العلاقات الحقيقية عطاء متبادل، وبناء مشترك. لا يعني أن نمنح كل ما لدينا دون حساب، بل أن نمنح بوعي وذكاء، وأن نتوقع قدرًا من التقدير والاحترام والتبادل. فلا نرخص أنفسنا في علاقات لا تُقدّر قيمتنا، ولا نهدر طاقتنا في محاولات يائسة لكسب ود من لا يرغب في منحنا ولو جزءًا بسيطًا من اهتمامه. استثمروا عواطفكم في من يُقدّرونها، وقدّروا أنفسكم حق قدرها، فأنتم تستحقون حبًا واحترامًا متبادلًا، لا استنزافًا للذات وخذلانًا للقلب.

وأهلك العرب قالوا:—
قنعتُ عن صداقةِ هذا الزمانِ، وصُنتُ نفسي عن الهوانِ،
خوفًا من الناسِ أن يقولوا:
فَضَّلَ فلانٌ على فلانِ،
فمن كنتُ عن صداقتهِ غنيًّا،
فلا أُبالي إذا جفاني،
ومن رآني بعينِ نقصٍ، رأيتُهُ بالتي بها رآني،
ومن رآني بعينِ تمٍّ، رأيتُهُ كاملَ المعاني.

والله المستعان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..