وضع الطيران!! هل هو نهاية أزمة أم ترحيل لها؟
أبو بكر الطيب
مرَّة أخرى، يجد نادي المريخ السوداني نفسه في مهبّ رياح التغيير الفني، وقبل أن يُكمل المدرب الجديد دورته الكاملة في قيادة سفينة الفريق، وقبل أن تتضح معالم بصمته الفنية، يُعلن رحيله بقرار يضع علامات استفهام كبيرة. لم يمضِ على تولّيه المسؤولية سوى أشهر قليلة، فترة لا تكفي غالبًا لغرس فلسفة لعب واضحة أو بناء فريق متماسك قادر على تلبية طموحات جماهير النادي العريضة.
يأتي هذا القرار في ظلّ واقعٍ مريرٍ يعيشه الفريق، حيث تتوالى الهزائم وتتراجع المستويات بشكلٍ مقلق، حتى أمام فرق تكافح في قاع الترتيب. صحيح أن النتائج لم تكن مرضية، وأن الأداء العام للفريق لم يعكس تاريخ وقيمة نادي المريخ، لكن هل كان المدرب الراحل هو المسؤول الوحيد عن هذا التردي؟ وهل كان منحه فرصة أقل من ستة أشهر كافيًا لتقييم عمله بشكلٍ عادل؟
إن هذا النهج المتسرّع في تغيير الأجهزة الفنية، والذي يبدو وكأنه ردّ فعل آني للضغوط الجماهيرية أو ربما محاولة لامتصاص الغضب، يُثير تساؤلات جدية حول استراتيجية إدارة النادي ورؤيتها المستقبلية. فبدلًا من بناء مشروع فني طويل الأمد يقوم على الاستقرار والثقة في الجهاز الفني، يبدو أن الإدارة تعود مرة أخرى إلى دائرة مفرغة من الإقالات والتعيينات التي لم تجلب للفريق سوى المزيد من عدم الاستقرار والتخبط.
رسالة نقدية إلى إدارة نادي المريخ:
إلى متى سيظل نادي المريخ أسيرًا لقرارات ارتجالية لا تستند إلى رؤية واضحة أو تخطيط استراتيجي؟ إلى متى سيتم التعامل مع الجهاز الفني ككبش فداء يُلقى عليه اللوم في كل إخفاق، دون محاسبة حقيقية للأسباب الجذرية التي تقف وراء هذا التدهور المستمر؟
إن تغيير المدرب في “وضع الطيران”، وقبل أن يحصل على الوقت الكافي لتطبيق أفكاره وتقييم اللاعبين بشكلٍ كامل، لا يبدو حلًا للأزمة بقدر ما هو ترحيل لها. فالفريق بحاجة إلى بناء حقيقي، إلى فلسفة لعب واضحة، إلى استقرار فني وإداري يُمكّنه من استعادة هويته ومكانته الطبيعية.
إن تحميل المدرب وحده مسؤولية الإخفاقات المتلاحقة فيه إجحاف وتقليل من حجم المشكلة. فهل تم توفير البيئة المناسبة له للعمل؟ هل تم دعمه باللاعبين القادرين على تطبيق أفكاره؟ هل كانت هناك رؤية مشتركة بينه وبين الإدارة حول أهداف الفريق وطريقة تحقيقها؟
إن استمرار هذا النهج من عدم الاستقرار الفني لن يؤدي إلا إلى مزيدٍ من التدهور وفقدان الثقة. جماهير المريخ تتطلّع إلى إدارة واعية ومسؤولة، قادرة على اتخاذ قرارات مدروسة تخدم مصلحة النادي على المدى الطويل، بدلًا من الرضوخ للضغوط الآنية أو البحث عن حلول سريعة لا تُعالج جوهر المشكلة.
على إدارة النادي أن تدرك أن بناء فريق قوي ومنافس يحتاج إلى وقت وصبر وثقة في الخيارات الفنية. إن إقالة مدرب لم يُكمل الستة أشهر الأولى في منصبه تبعث برسالة سلبية عن مدى جدية الإدارة في تحقيق الاستقرار الفني والنهوض بالفريق.
وأخيرًا:
نأمل أن تتوقف إدارة نادي المريخ عن سياسة “رد الفعل”، وتبدأ في تبنّي استراتيجية واضحة ومستدامة لبناء فريقٍ قوي قادرٍ على استعادة أمجاد النادي. فالتغيير الحقيقي لا يأتي بإقالة مدرب آخر، بل بمعالجة الأسباب الجذرية التي أدّت إلى هذا التردي المؤسف.
وأهلك العرب قالوا:—
“إن الجهد الضائع لا يُنبت زرعًا،
والعقل قبل المال، وإلّا ضاع العمل سُدىً”
والله المستعان