خيبة النخبة!!

أبو بكر الطيب
يا له من مشهدٍ قاتمٍ يلوح في أفق الكرة السودانية! بينما يُفترض أن تدقّ طبول الإثارة إيذانًا بانطلاق دوري النخبة، لا نرى سوى سكونٍ مطبقٍ يثير القلق ويحمل في طياته نذر فشلٍ محتمل. إنّ الصمت المريب الذي يُخيّم على استعدادات الاتحاد العام يثير تساؤلاتٍ مشروعة ويستدعي وقفةً جادّة لتقييم الموقف قبل فوات الأوان.
نقول للاتحاد السوداني لكرة القدم: أين الاستعدادات لدوري النخبة؟ وأيُّ مستقبلٍ ينتظره؟
لقد بات قاب قوسين أو أدنى الموعدُ المُعلن لانطلاق دوري النخبة السوداني، تلك البطولة التي تُمثّل قمة الهرم الكروي حاليًا، والنافذة — رغم عدم قناعتها — التي يُطلّ منها جمهورُنا الشغوف على متعة المنافسة والإثارة. ولكن، ويا للخَيْبَة، لا نرى في الأفق ما يُبشّر بانطلاقةٍ تليق بمكانة هذا الدوري وأهميته.
أين هي اللوائحُ المُنظّمة للمنافسة التي يُفترض أن تكون واضحةً ومتاحةً للأندية واللاعبين؟ أين هي الأخبار عن تجهيز الملاعب التي تستضيف هذا الحدث الهام، لضمان توفير بيئةٍ آمنة وجاذبة للمباريات؟ بل إنّ الغرابة تتجاوز هذا الصمت المطبق، لتصل إلى مسامعنا أخبارٌ عن تجهيز مكاتب فارهة ومُكيّفة لأعضاء الاتحاد، وكأنّ الأولوية تكمن في رفاهية المقاعد الوَثِيرة لا في تهيئة المسرح الذي سيشهد تنافسًا كرويًّا طال انتظاره.
الأدهى من ذلك، تتردد بقوةٍ أنباء عن احتمال نقل دوري النخبة إلى خارج حدود الوطن! وهذا الاحتمال، الذي تدعمه مخاوفُ مشروعة لدى قطبي الكرة السودانية، المريخ والهلال، بشأن سلامة لاعبيهم المحترفين والتزاماتهم التعاقدية في ظلّ الظروف الأمنية غير المستقرة وغياب البيئة التنافسية الملائمة، يضع علامات استفهامٍ كبيرة حول قدرة الاتحاد على إدارة الأزمة بحكمةٍ ومسؤولية.
إنّ هذه التداعيات الخطيرة ليست مجرّد همساتٍ في أروقة الإعلام الرياضي، بل هي حقائق دامغة تستوجب منكم تحرّكًا عاجلًا وقراراتٍ حاسمة. لقد وُضِعت هذه الملفات الشائكة على طاولتكم، فماذا أنتم فاعلون؟ أسيستمرّ هذا الصمتُ المطبقُ الذي يُنذر بعواقب وخيمة على مستقبل دوري النخبة؟ أم ستتحملون مسؤوليتكم التاريخية وتضعون مصلحة اللعبة فوق كل اعتبار؟
نسألكم بصدق:
أين خططكم الواقعية لضمان انطلاق دوري النخبة في موعده المحدد؟
ما هي الضمانات التي ستُقدّمونها للأندية واللاعبين لتهيئة بيئةٍ آمنة وتنافسية؟
كيف ستتعاملون مع تحفظات قطبي الكرة السودانية ومخاوفهم المشروعة؟
هل تجهيز المكاتب الفاخرة هو الأولوية في ظلّ هذه الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد ورياضتها؟
ألا ترون أن احتمالية نقل الدوري إلى الخارج هي وصمة عار ستُلاحق تاريخ إدارتكم؟
إنّ تجاهلكم لهذه التحذيرات، وعدم اتخاذ خطواتٍ عملية وجادّة لإنجاح دوري النخبة، الذي تشير كل الدلائل إلى فشله الوشيك، لن يكون إلا دليلًا قاطعًا على استمراركم في مسلسل الإخفاقات وتكرار الأخطاء التي عانت منها الكرة السودانية طويلًا.
إنّ جمهور الكرة السودانية ليس أقلّ وعيًا بما يجري، وهو ينتظر منكم لا أقوالًا معسولة ولا تبريرات واهية، بل أفعالًا ملموسة تُعيد الثقة في قدرة الاتحاد على قيادة سفينة الكرة السودانية نحو برّ الأمان. إنّ صمتكم هذا يزرع بذور الشك ويُقوّض الآمال، ويفتح الباب واسعًا أمام التكهنات القاتمة بمستقبل كرتنا.
كفى تهميشًا لقضايا الكرة السودانية! كفى تجاهلًا لمطالب الأندية والجماهير! لقد حان الوقت لأن تستشعروا حجم المسؤولية المُلقاة على عاتقكم، وأن تتحركوا بجديّةٍ وحكمةٍ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن ينهار كل شيء.
إنّنا ننتظر منكم ردًّا واضحًا وقراراتٍ شجاعة تُعيد الأمل إلى قلوب عشاق الكرة السودانية، وتُؤكد أن الاتحاد العام قادرٌ على تجاوز هذه الظروف الصعبة والنهوض بمسؤولياته تجاه مستقبل اللعبة في بلادنا. أمّا إذا استمرّ هذا الصمت، فلن يكون لنا إلا أن نُعلن عن خيبة أملنا العميقة، وتأكيد قناعتنا بأنّ الفشل سيكون حليف هذا الدوري قبل أن تبدأ منافساته.
وأهلك العرب قالوا:
إذا ضاع الرأي السليم، فالسكوت أسلم.
ومن لم يمتْ بالسيف، مات بغيره، تعددت الأسباب والموتُ واحد.
والله المستعان
