وسط الرياح

صناعة الطاغية!

عدد الزيارات: 21٬002

 style=

 

أبو بكر  الطيب

كيف يتنازل الكثيرون ليسود القليل؟
كم هو موجع أن نرى، بأم أعيننا، فصولًا جديدة تُكتب من كتاب الطغيان… لا يخطّه الطغاة وحدهم، بل نكتبه نحن معهم، حين نتنازل، حين نصمت، حين نخضع!
إنها ليست مجرد مفارقة تاريخية، بل مأساة متكررة في كل زمان ومكان:
أن يصنع المستضعفون طغيانهم بأيديهم.
نعطي الصولجان لمن لا يستحقه، ونفرش الأرض لمن لا يمشي إلا فوق رقاب الناس. نمنح الهيبة لمن لا يملك سوى المال والنفوذ الزائل، لا دينًا ولا أخلاقًا ولا مشروعًا.
وقد قلناها مرارًا:
“كل ذلك يحدث عندما نعطي إنسانًا لا يملك في الحقيقة أي قوة أو سلطة سوى المال، وإنما نحن من قمنا بصناعته في غفلة من الزمن، وتنازلنا عن كبريائنا وتركناه يمتطي فوق ظهورنا.”

من لحظة التنازل تبدأ الكارثة.
الطاغية لا يُولد طاغية، لكنه يُربّى على أكتاف المساكين، يكبر حين ننحني، يتمدد حين نصمت، ويتجبر حين نطأطئ له رؤوسنا.
وحين نكتشف فداحة ما فعلنا، نكون قد خسرنا الكثير: الكرامة، والصوت، والقدرة على الفعل.
والسؤال الذي يُلقي بظله الثقيل علينا:
لماذا يخضع الكثيرون للقلة؟
الجواب مؤلم:
ضعف الروح، وبيع الذمم، والحوجة لما في جيوب الرجال، وسقوط الهمة، وقلة النخوة.
حين يصبح الولاء مقابل فتات، وحين تُستبدل المبادئ بالمصالح، لا مفر من هيمنة الطغيان.
وهذا ما نراه اليوم بأم أعيننا في واقعنا السوداني.
لقد استطاعت “مجموعة الاتحاد العام” أن تُخضِع كل من كان يقف في وجهها، واحدة تلو الأخرى.
وبعد المصالحة المشبوهة مع “السلطان”، تمهّدت لها كل السبل، وتمّت هندسة المشهد ليكون النصر في صالحها، ما لم تتدخل العناية الإلهية وتقلب الطاولة.

أما السلطان نفسه، فقد اختار الطريق السهل:
الانضمام بدلًا من المواجهة.
تنازل عن وعده، ورضي أن يكون رقمًا في منظومة تُتقن فن الاستبداد الناعم، وتدير اللعبة بدهاء.
صفعة مدوية لكل من راهن على التغيير الحقيقي.
فمن نلوم؟
هل نلوم الطغاة الذين مارسوا اللعبة بقواعدهم؟
أم نلوم من وعد بالتغيير، ثم ارتدى عباءة الباطل طوعًا؟
كلاهما يستحق اللوم، لكنّ خذلان المدافعين عن الحق أوجع.
لقد كتبت هذه الكلمات يومًا ما بإيمان بأن الوعي أقوى من الطغيان، لكنّ الواقع اليوم يُظهر أن الباطل حين يُترك دون مقاومة، يصبح هو القاعدة، ويغدو الحق استثناءً يبحث عن منبر.
إن الطغاة لا يستقوون بقوتهم، بل بضعف الناس من حولهم.
فمتى نستيقظ من هذا السبات؟
متى نعيد تعريف الولاء والانتماء؟
متى نرفض أن نكون وقودًا لطغيان مستمر يتغذى من ضعفنا وتفرقنا؟
هذه ليست مجرد كلمات، بل دعوة للغضب المشروع، دعوة للكرامة، للانعتاق، للتفكير، للمواجهة.
إن كنّا قد صنعنا الطاغية مرة، فلنعمل جاهدين ألا نُعيد إنتاجه من جديد.

وقال العرب:
“إنَّ الطاغية فرد، لكنه لا يحكم إلا بجيوش من المنبطحين”.

فلننهض… كي لا يُقال إننا انتفضنا، بل ليُقال إننا أخيرًا فهمنا.
والله المستعان.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..