بين خدمة الرياضة والتملق الرخيص!!
أبو بكر الطيب
درس قاسٍ في أخلاقيات الإعلام الرياضي
حين يتحول الإعلام إلى سوق للتطبيل
في عالم الرياضة، كان الإعلام يومًا ما منصة لقول الحقيقة بلا خوف، ولسان حال الجماهير الباحثة عن النقاء والصدق.
أما اليوم، فقد انقلب المشهد — خاصة في السودان — فأصبح بعض الإعلاميين أبواق ترويج وتطبيل، ينفخون في أسماء رياضية عادية حتى يبدون وكأنهم أبطال أسطوريون أو رسل منقذون.
هكذا يُباع الضمير الإعلامي في السوق الرخيص، وتُشترى المواقف بثمن بائر.
العمل العام.. واجب لا مكرمة
عندما يُنتخب شخص ليتولى منصبًا عامًا، مثل نائب رئيس اتحاد كرة القدم، فإن عمله خدمة واجبة، لا مكرمة يتفضل بها على الناس.
إن أي إنجاز يحققه جزء من عمل منظومة متكاملة، ولا يحق لأي فرد — مهما علا موقعه — أن ينسب النجاح لنفسه وحده وكأنه حمل الكرة بيديه وسجل الهدف منفردًا.
التضخيم الزائف للأدوار الفردية لا يسيء فقط إلى العمل الجماعي، بل يُفرغ فكرة المسؤولية من مضمونها.
إلى كل المطبلين:
أما آن أن تستحوا يا معشر المروجين والمتملقين؟
أما تخجلون من تسويق الأوهام بدلاً من الحقائق؟
أما تستحون وأنتم تصنعون منجزات وهمية لأشخاص بالكاد يؤدون أقل مما هو مطلوب منهم؟
هل زيارة إلى مدينة مروي تعتبر إنجازًا وإعجازًا لتضج به الأسافير وتقوم الدنيا ولا تقعد؟
التاريخ لا يتسع لكل هذا الكذب.
الإعلام الحر الشريف لا يمدح إلا من يستحق، ولا يقدس إلا من يصنع الفرق حقًا.
لقد آن لكم أن تدركوا أن التملق لا يرفع مقام المطبل، بل يغرقه في درك السخرية والازدراء.
درس في أخلاقيات الإعلام: النزاهة لا تعرف التزييف
الإعلام الرياضي مسؤولية أخلاقية قبل أن يكون مهنة.
واجب الإعلامي أن يكون شاهد حق، لا شاهد زور.
واجب الإعلامي أن ينتقد بجرأة، ويمتدح بإنصاف، وينقل الحقيقة دون تزييف أو تلميع.
واجب الإعلامي أن يحترم عقول الجماهير لا أن يستخف بها.
الإعلام الذي يغرق في المديح الأجوف لا يبني رياضة، بل يهدمها من الداخل، ويخلق فقاعات من أوهام لا تصمد أمام أول اختبار حقيقي.
رسالة إلى الجماهير: لا تنخدعوا بالضجيج
أيها الرياضيون، كونوا أذكى من أن تنخدعوا بزيف المديح والتطبيل.
قَيِّموا الأشخاص بالأفعال لا بالأقوال، بالإنجازات لا بالأهازيج.
تذكروا: الصدق دائم، والكذب مهما طال زمنه، لا بد أن ينكشف على رؤوس الأشهاد.
العمل الحقيقي يتحدث عن نفسه بلا حاجة لمزامير الإعلام المأجور.
وقبل الختام:
لا بد من طريق نحو إعلام رياضي يليق بالرياضة والرياضيين.
إن رياضتنا السودانية العريقة بحاجة إلى إعلام يحترم تاريخها ويخدم مستقبلها.
بحاجة إلى إعلام لا يخاف أن يقول للمخطئ: أخطأت، وللمجتهد: أحسنت.
بحاجة إلى صحافة تصنع أبطالاً حقيقيين، لا أبطالًا من ورق.
أما المطبلون والمنافقون، فمصيرهم معروف:
إلى هامش التاريخ، مع قائمة المتسلقين والانتهازيين الذين لم يحترموا مهنتهم ولا أنفسهم.
واهلك العرب قالوا:
“من لم تصقله المحن، صقلته المدائح الكاذبة حتى صار هشًّا كقشّة، تحملها الرياح حيث شاءت”.
فاختر أن تكون صخرة في وجه العاصفة، لا قشة في مهب النفاق.
والله المستعان.
