الرياضة أسيرة المال! عندما تتناقض الشعارات مع الأفعال

أبو بكر الطيب
ما أقسى أن ترى القيم تنهار أمام عينيك، تحت وطأة النفوذ والمال، في وسطٍ يُفترض أنه ميدانٌ للروح النبيلة والتنافس الشريف. في عالم الرياضة، كثيرًا ما نُخدع ببريق الشعارات: “الوحدة، الروح الرياضية، الاحترام المتبادل”، لكنها سرعان ما تتبخّر حين تصطدم بواقعٍ تغذّيه المصالح، ويشوّهه الازدواج والتناقض.
نسمع دعوات التآلف، ونشاهد ولائم وعوازيم للتصالح والتصافي تزدان بالكلمات الرنّانة، لكننا في الميدان نرى مشاهد منفّرة: تعصّبٌ أعمى، انقساماتٌ متعمّدة، وتجاوزاتٌ لا تمتّ للأخلاق بصلة. يبدو وكأن هناك عالمين متوازيين؛ واحدٌ مثالي يُسوَّق في الإعلام، وآخر غارقٌ في الفساد والانتهازية.
إنَّ الولائم سبب الهزائم للمبادئ الرياضية النبيلة
إنّ الوجه القبيح للرياضة ما يجعلها رهينةً للنفوذ، وهو الجانب الأشدّ قتامةً في هذه المعادلة البائسة؛ الخضوع التام أمام من يملكون المال دون أن يملكوا شرف الانتماء الحقيقي للرياضة. دخلاء على هذا الوسط تسللوا من بوابة المال، لا من بوابة الكفاءة أو الشغف. أغروا البعض بالمناصب والمكافآت، واستعبدوا البعض الآخر بمغرياتٍ زائفة.
تحوّل بعض الرياضيين من رموزٍ ومُلهمين إلى أدواتٍ تُشترى وتُباع. سقطت هيبتهم، وضاعت بوصلتهم، وراحوا يدورون في فلك “أرباب النفوذ”، مدافعين عنهم لا عن المبادئ، مهلّلين لكل قرار، صامتين عن كل تجاوز، طمعًا في فتات الموائد.
صوت الحق… مهدد ومطارد
أمّا من تجرّأ وقال “لا”، أو طالب بالتصحيح، فهو في مرمى الهجوم والتشويه. تُكال له التهم، يُقصى من الساحة، ويُعامل وكأنه ارتكب جريمة. لأن من يقف خلف الكواليس، لا يريد لأحد أن يكشف عريه الأخلاقي أو فساد صفقاته.
أولئك “الوافدون الجدد”، الذين لا يملكون تاريخًا في الملاعب ولا روحًا رياضية، أدخلوا معهم أدوات التمكين الزائف: المال، الولاء الشخصي، وشراء الذمم. سقطت أمامهم معايير النزاهة، وضاعت قيمة الإنجاز الحقيقي، وأصبح القرب من أصحاب القرار أهمّ من القرب من الجماهير أو تحقيق النجاح.
هذا الواقع المهترئ لا يمكن القبول به كقدرٍ محتوم. نحن بحاجةٍ إلى انتفاضةٍ واعية، لا بد من مراجعةٍ شاملة تُعيد الرياضة إلى جوهرها النقي. علينا أن نُحيي قيمة الكلمة الصادقة، ونُحصّن الساحة من المرتزقة، ونفتح الأبواب أمام الكفاءات الحقيقية.
وقبل الختام
عندما تُختزل الرياضة في صفقاتٍ ومصالح، تفقد قدرتها على الإلهام، وتتحوّل من منارةٍ للقيم إلى مسرحٍ للفساد. فلتكن الرياضة ميدانًا للمبادئ لا مرعىً للمنافقين، ولتكن كرامتنا أغلى من أي مكافأةٍ عابرة.
وأهلك العرب قالوا:
القناعة شمسٌ يجب أن تشرق في كل نفس.
وقال: “لِيَ حرّيتي لا تُشترى بالذهب”.
والله المستعان.
