وسط الرياح

لجان الوساطة!

عدد الزيارات: 21٬007

474أبو بكر الطيب

حين تتحوّل سفن الإنقاذ إلى أدوات غرق جماعي!

في الأوقات الحرجة التي تعصف بالمؤسسات وتُهدد وحدة الصف، تبرز لجان الوساطة كطوق نجاة أخير يُعوّل عليه في تجنيب المجتمعات الانقسام، ولَمِّ الشمل، واستعادة التوازن المفقود.

هذه اللجان لا تُشكّل عبثًا، بل تُستدعى حين يعجز القانون عن الإقناع، وحين تُسد الطرق أمام الحلول الرسمية. تُمنح تفويضًا اجتماعيًا وأخلاقيًا لتتقدّم الصفوف وتُعيد ما تمزّق. لكن، ماذا لو خانت هذه اللجان ثقة المجتمع؟ ماذا لو أصبحت جزءًا من الأزمة بدلًا من أن تكون وسيلةً لحلها؟

حياد مزعوم… أم اختراق ممنهج؟

الواقع يقول إن كثيرًا من لجان الوساطة، وبدلًا من أن تتحلى بالحياد والشجاعة الأخلاقية، وقعت في فخاخ الانحياز والتواطؤ. لا لشيء إلا لأن بعض أعضائها سمحوا لأنفسهم أن يكونوا واجهات ناعمة لأجندات خفية، أو لأنهم خشوا قول الحقيقة في وجه النفوذ، أو ببساطة لأنهم افتقدوا الكفاءة والوعي بدقة المهمة.

إن أخطر ما يمكن أن يُصيب لجنة وساطة هو أن تتحول إلى امتداد لأحد أطراف النزاع. حينها، لا فرق بينها وبين الطرف الذي تسعى لمصالحته. بل تصبح أداة تعويق لا تقويم، وتُفقد القضية أي أمل في حل نزيه. بل إنها تزرع بذور انعدام الثقة في المجتمع نفسه، فالرياضي البسيط يرى أن حتى “الحكماء” يمكن شراؤهم أو إخضاعهم.

حين يصير الفشل خيانة… لا مجرد تقصير

لجان الوساطة ليست مبادرات علاقات عامة، ولا صالونات اجتماعية للترضية والمجاملات، هي كيانات مسؤولة، ومهمتها إنقاذية من الدرجة الأولى، فشلها ليس عاديًا، بل مأساة تفتح أبواب الانقسام، وتُضفي شرعية على الظلم والتعطيل والفساد.

إن العضوية في لجنة وساطة ليست وجاهة اجتماعية بل تكليف ثقيل. من لا يستطيع أن يحمل هذا التكليف بشجاعة ونزاهة، فليترجّل. ومن شعر بأنه أصبح أداة بيد طرف أو ضحية لضغوط، فليتحلَّ بالشجاعة وينسحب بدل أن يخون الضمير العام.

دعوة للرأي العام الرياضي: راقبوا لجان الوساطة ولا تمنحوها صك الغفران!

في ظل تفاقم الأزمات الإدارية والقانونية، كما في ملف اتحاد الخرطوم، بات من الضروري أن نُفعّل رقابة الرأي العام على لجان الوساطة. لا يجب أن تكون هذه اللجان فوق المساءلة. يجب أن تخضع لامتحان الشفافية، وأن يُسائلها المجتمع إذا فشلت أو انحرفت عن مسارها.

اسألوهم: لماذا لم ينجحوا؟
اسألوهم: من ضغط عليهم؟
اسألوهم: من أفشل وساطتهم؟
واسألوهم: لمصلحة من يشتغلون؟

نحو معايير صارمة لاختيار الوسطاء

لا وساطة بلا نزاهة.

لا لجنة بلا استقلال تام.

لا عضوية بلا سجل ناصع وشجاعة في قول الحق.

ولتعلم هذه اللجان: إن فشلها لا يُحسب فقط عليها، بل يُحسب على كل المجتمع الذي قد يفقد إيمانه بفكرة الحل السلمي. وهذا أخطر ما يمكن أن يحدث.

وأهلك العرب قالوا: “إذا فسد الراعي، ضاعت الرعية”.

وفي واقعنا، إذا فسد الوسيط، ضاعت الحقيقة… وغرق الجميع.

والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..