وسط الرياح

بازار الفساد وبيع الذمم !!

عدد الزيارات: 21٬006

474

 

أبو بكر الطيب 

يا له من ألمٍ يعتصر القلب، وأيُّ مرارةٍ تسكن الروح، ونحن نشهد رياضتنا السمحة وهي تحتضر بين براثن الطمع وجشع النفوس!
لقد تسللت إلى جسدها النقي فئةٌ دخيلةٌ لا تعرف للروح الرياضية معنًى، ولا تُقدِّر لقيم المنافسة الشريفة قدرًا، همُّها الأوحد التباهي الزائف، وشراء مكانةٍ اجتماعيةٍ واهيةٍ بأموالٍ ملوثةٍ لا تمتُّ للحق بصلة.

تحولت الملاعب، التي كانت بالأمس مسرحًا للإبداع والتفاني، إلى أسواق نخاسةٍ تُباع فيها الولاءات وتُشترى فيها الضمائر. رؤوسٌ شامخةٌ كانت تزهو بعزّة الانتماء، انحنت ذليلةً أمام محافظ منتفخة، وألسنةٌ كانت تصدح بالحق، تحولت إلى أبواقٍ تُسبِّح بحمد الفاسدين، وكأنهم آلهةٌ تُعبد.

وفي قلب هذا العبث يقف الاتحاد السوداني لكرة القدم، الذي أصبح مرتعًا للفساد والمفسدين. فساده لم يعد خافيًا ولا يحتاج إلى دليل، فقد بات ظاهرًا للعين، مكشوفًا للعلن، وسوقه رائجةٌ بين الاتحادات المحلية. نرى فيها الولاءات تُباع وتُشترى، ونلمس غُبنًا واحتقانًا متصاعدًا لدى أولئك الذين لم يُقدِّموا فروض الولاء والطاعة، فكان نصيبهم التهميش والإقصاء، وكأن الكفاءة أصبحت جريمة، والنزاهة تهمة.

لقد جلب هؤلاء الدخلاء معهم أسوأ ما في طبائع البشر: الكذب، والنفاق، والاحتيال، وتبادل المصالح المشبوهة. فشاع في أوساطهم سوقٌ رخيصٌ قوامه بيعُ المواقف وشراءُ الذمم، فغابت القيم، وضاعت الهيبة، وتبددت المعاني الرفيعة التي كانت تميز الرياضة وأهلها.

وتكاثر المطبلون والمُهلِّلون، أولئك الذين يصنعون من الرداءة بطولة، ومن الانحطاط إنجازًا، يتقافزون من منبرٍ إلى منبر، يُزيِّنون القُبح، ويَمدحون الفشل، ويَبيعون كلماتهم لمن يدفع أكثر. أما “الكرتجية”، فهم كالعشب الطفيلي، لا جذور لهم ولا انتماء، يتسللون إلى كل ركنٍ بحثًا عن فتات النفوذ ومكاسب الارتزاق.

فما الذي جنيناه من هذا الانحدار الأخلاقي والإداري؟
تراجعٌ فنيٌّ مريع، وانهيارٌ في البنى التحتية، وتردٍّ في الأداء العام، وتضخُّم في الترهلات الإدارية. تسلل الفاشلون إلى المناصب العليا لا بكفاءةٍ ولا جدارة، بل بشطارة الابتزاز واستغلال النفوذ. أصبحت الأندية ملكياتٍ خاصة تُنهب مقدراتها بلا حسيبٍ ولا رقيب، وتُدار بعقلية الغنيمة لا المسؤولية.

ويا للمفارقة!
دولٌ كانت بالأمس تلهث خلفنا في الميدان الرياضي، تجاوزتنا اليوم بمراحل، وارتقت بمنظوماتها حتى باتت تُنافس على أعلى المستويات، بينما نحن نقبع في قاع التخلف، نُعيد اجترار الفشل تلو الفشل، ونغرق في مستنقع فسادٍ لا قرار له.

إننا بحاجةٍ إلى ثورةٍ رياضيةٍ حقيقية — ثورةٍ لا تعرف المجاملة، ولا ترضى بأنصاف الحلول. ثورةٍ تقتلع جذور الفساد من أعماق المؤسسات، وتُعيد بناء منظومتنا على أساس النزاهة والكفاءة، لا على الولاء الشخصي أو النفوذ المالي. نحتاج إلى رجالٍ يملكون المال، نعم، لكن قبل المال يملكون الضمير، ويحملون في رؤوسهم فكرًا، وفي قلوبهم حبًّا حقيقيًا للرياضة، لا عشقًا للمظاهر والهيمنة.

فلننهض جميعًا، محبين ومخلصين، لإنقاذ ما تبقى من هذا الصرح الجليل. لنعِد بناء الثقة، ولنعِد للملاعب بريقها، ولنجعل من رياضتنا منارةً تُضيء دروب التقدم والازدهار في سوداننا العظيم.

وأهلك العرب قالوا:
“إذا استُرعي الذئبُ الغنم، فابشر بضياعها”
“وإن الحُمَّى دليلُ المرض”

والله المستعان

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..