وسط الرياح

رياضة العشق والخذلان!!

عدد الزيارات: 21٬005

474

 

أبو بكر الطيب

في بلدٍ عشق أهله كرة القدم حتى أصبحت جزءًا من وجدانهم، بل وحياتهم، تبدو المفارقة مؤلمة؛ فبينما يقف الجمهور السوداني على مدرجات الشغف، يهيم عشقًا بتشجيع الفرق العالمية، لدرجة التعصب والانِدياح، ليردد أناشيد الولاء والتبعية المطلقة لتلك الأندية ورفع راياتها، بالمقابل نجد تعثّر الرياضة على أرض الواقع بتخبّط إداري، وفسادٍ مستشرٍ، وبنيةٍ تحتية هشّة، وإعلامٍ منحرفٍ عن جادّة المهنية.

إنها مفارقة صارخة: عشقٌ أعمى لا يُترجم إلى إنجازات، وصوتٌ جماهيري ضخم لا يُصغى له، ووديان تفصل بين ثلاثيٍّ يُفترض فيه التكامل: الجمهور، والإعلام، والإداريون.

نجد الجمهور يكتفي بالمتابعة عبر القنوات، والصياح في المجالس والتجمّعات، فيمثّل الوقود الصامت الذي فقد صلاحيته. يجهلون أنهم كنز الرياضة وروحها. فعشقكم لكرة القدم متجذّر، لا تُزعزعه خيبات الواقع ولا مؤامرات إداراتٍ خائبة. لكن… هل يكفي العشق؟

إن العشق وحده لا يكفي إذا بقي في دائرة الصمت والانبهار السلبي. لقد آن الأوان أن تتحولوا من متفرجين إلى قوة تغيير. طالبوا بالشفافية، قاوموا التزوير، واسألوا: من يُمثلنا؟ ولماذا؟ ووفق أي معايير؟

اصنعوا رأيًا عامًا لا يمكن تجاوزه، دعمًا للكفاءات، ومحاسبةً للفاسدين. الرياضة لن تتغيّر إلا حين يصبح صوت الجمهور أكبر من صدى المدرجات.

الإعلام الرياضي… حين يُباع الوعي لمن يدفع

كان الإعلام الرياضي في يومٍ من الأيام، وإلى وقتٍ قريب، مرآة الواقع، وصوت الضمير، وسلطة رقابة. أما اليوم، فصار كثيرٌ منه أبواقًا لمن يدفع أكثر، يُمجّد الفاشلين، ويُخفي الحقائق، ويشوّه وعي الجمهور باسم الإثارة.

فنسوا أنهم صُنّاع الرأي، وأن أقلامهم أمانة، والكلمة مسؤولية. لا تخونوا الجمهور من أجل إعلان أو فتات سلطة. كونوا صوت الحقيقة، وفضح الفساد، وتسليط الضوء على مكامن القوة والضعف بمهنيةٍ وشجاعة.

الإداريون… عِممٌ بلا رؤوس، وبدلٌ بلا شخوص، وسلطةٌ بلا مشروع

نسي هؤلاء أن الرياضة ليست وسيلة وجاه، ولا بوابة نفوذ. فالتاريخ لا يُخلّد من جمع المال أو خدع الجماهير، بل من زرع الأمل وصنع الإنجاز. أفيقوا قبل أن تكتبوا أسماءكم في صفحات الفشل. اعملوا على بناء مؤسساتٍ قوية، وبيئةٍ تنافسية شريفة، وواجهوا التحديات بنزاهة، لا بشطارة.

لقد مللنا من صراعات اللجان، ومؤامرات الانتخابات، والعضويات المستجلبة، والإقصاء الانتقائي… كل ذلك لا يُنتج رياضة، بل سوقًا للفساد.

وقبل الختام:

ما يحدث للرياضة السودانية ليس قَدَرًا محتومًا، بل نتيجة مباشرة لسلوكنا الجمعي، لصمت الجمهور، وفساد الإدارات، وتواطؤ الإعلام.

إذا أردنا صحوة حقيقية، فعلينا أن نبدأ من الداخل:
وعي الجمهور، ونزاهة الإعلام، وإخلاص الإداريين.
هذه ليست مسؤولية جهةٍ واحدة، بل مهمة وطنية شاملة.

فهل نملك الشجاعة لنكون على قدر عشقنا؟
هل نمتلك الإرادة لنحوّل الحلم إلى واقع؟
الكُرة في ملعبك… فماذا ستفعل؟

وأهلك العرب قالوا:
إذا كنتَ ذا رأيٍ فكنْ ذا عزيمةٍ،
فإن فسادَ الرأي أن تترددا.

والله المستعان.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..