تكتيك الخوف لا عبقرية الإدارة!

أبوبكر الطيب
حين يستعجل أسامة عطا المنان الانتخابات قبل أن يفضحه الزمن
في المؤسسات الرياضية كما في ميادين السياسة، لا شيء يحدث صدفة. فالخطوات المدروسة كما تُوصف، قد تكون في حقيقتها هروبًا مغلفًا، أو محاولة يائسة لقلب الطاولة قبل أن تنقلب على رؤوس أصحابها.
وهذا تمامًا ما نشهده اليوم في الساحة الكروية السودانية، مع تحركات “أسامة عطا المنان”، نائب رئيس الاتحاد العام، الذي قرر أن يقلب رقعة الشطرنج دفعة واحدة بإعلانه نوايا استباقية نحو الانتخابات، قبل أن يكتمل حتى أوان اللعبة.
الاستباقية المسمومة: عندما يتحول التكتيك إلى قناع للذعر
“الانتخابات المبكرة”، كما تُسوّق اليوم، ليست فعلًا ديمقراطيًا ولا خطوة إصلاحية، بل محاولة مدروسة لخطف اللحظة قبل أن تستفيق الأصوات المعارضة وتكشف عورة الواقع.
“أسامة عطا المنان” لا يستبق الزمن بذكاء، بل يهرب منه برعب. يحاول أن يقفل الأبواب على خصوم بدأوا يخرجون من صمتهم، ويحصّن منصبه من رياح المساءلة التي بدأت تشتد. الاستباقية هنا ليست رؤية، بل مناورة تعكس انعدام الثقة في النفس وفي المشروع.
دهاء اللحظة بدلًا من مشروعية البقاء
“أسامة” لا يراهن على إنجاز، بل على مفاجأة، ولا يستند إلى قاعدة جماهيرية صلبة، بل إلى فراغات في المشهد يريد أن يملأها قبل أن يصل غيره. يشتغل بدهاء البقاء لا بحنكة البناء.
هو يعلم تمامًا أن الوقت القادم لا يصب في صالحه، فكلما طال الأمد، تراجعت شرعيته، وكلما انكشفت الحقائق، سقطت هالة “المنقذ” التي لطالما اختبأ خلفها.
صناعة الفراغ.. قبل إعلان الثقوب
تكتيك “أسامة” لا يكتمل إلا بعملية منظمة لإفراغ الساحة من الخصوم. لذلك نرى في تحركاته سلسلة من الإقصاءات غير المعلنة، والضربات الاستباقية التي تهدف إلى قطع الطريق على كل من يفكر في خوض المنافسة.
فهو لا يواجه بالمنطق، بل يسبق الآخرين إلى ساحة الترشح ليقفلها من بعده، تمامًا كما تفعل الأنظمة المهترئة حين تُجري انتخابات شكلية في توقيت مفاجئ لضمان استمرار الوجوه القديمة، فقط بتكتيك جديد.
أزمة المشروعية لا تُحل بالمناورة
ما يفعله “أسامة” ليس مجرد تسريع استحقاق انتخابي، بل محاولة مصيرية لإخفاء الضعف البنيوي في إدارته. يريد أن يضع الجميع أمام خيار واحد: “أنا أو الفوضى”، متناسيًا أنه هو أصل الفوضى، ونتاجها الأبرز.
إن الذكاء الحقيقي في قيادة المؤسسات لا يكون بحرق المراحل، بل ببناء ثقة مستمرة مع القواعد، وتوسيع دائرة الشفافية، وإشراك الجميع في صناعة القرار.
لكن “أسامة” اختار الطريق الأسهل: تفصيل التوقيت، وتطويع اللحظة، لخدمة بقائه.
منطق القوة أم منطق الكارثة؟
السؤال الآن ليس: هل يستطيع “أسامة” تمرير هذه الخطوة؟ بل: كم من الوقت يمكنه أن يخدع الجميع بها؟
فالمؤسسات التي تُدار بتكتيك الخوف لا تصمد. وإن صمدت، فلن تكون قوية، بل مُنهكة، مُخترقة، خاوية من المضمون.
وما نخشاه أن يؤدي هذا السلوك إلى كارثة مؤسسية جديدة، تعمق فقدان الثقة، وتُعيدنا إلى مربع الصراعات والانقسامات.
وقبل الختام
حين يظن اللاعب أنه يحرك القطع… بينما اللعبة تحرقه. الاستباقية الحقيقية تُبنى على إنجاز وشرعية، لا على خوف وتكتيك.
وإن كان “أسامة عطا المنان” يظن أن المباغتة ستمنحه قبضة جديدة على مفاصل الاتحاد، فعليه أن يتذكر أن الزمن لا يُستبق إلى الأبد، والحقائق المؤجلة تعود دومًا بثقل أكبر.
وأهلك العرب قالوا:
“وقد يُدرِكُ المتأني بعضَ حاجتهِ
وقد يكون مع المستعجلِ الزللُ”
والله المستعان
