تصريحات مالية أم قنابل صوتية؟!

أبو بكر الطيب
المريخ بين مستحقات الاتحاد وانفلات القرار
في الوقت الذي بدأت فيه جماهير المريخ تترقّب انطلاقة دوري النخبة بكل شغف، فجّر نائب رئيس نادي المريخ للشؤون المالية تصريحًا مدوّيًا هزّ الأوساط الرياضية، حين أعلن رفض النادي خوض مباريات الدوري ما لم تُسدَّد مستحقاته المالية من قبل الاتحاد العام.
تصريح كهذا، في توقيت بالغ الحساسية، لا يمكن أن يُقرأ باعتباره تعبيرًا عفويًا عن ضيق مالي، بل هو أشبه بإشارة إنذار عن خلل عميق في بُنية اتخاذ القرار داخل أحد أكبر أندية القارة.
هل نحن أمام موقف مالي… أم مشهد درامي؟
لا أحد ينكر أن لنادي المريخ مستحقات مالية بطرف الاتحاد العام، ولا أحد يُبرئ ذمة الاتحاد العام من عدم السداد، ولكن السؤال الجوهري هنا:
هل يُعقل أن تُدار الملفات المالية بهذا النمط المزدوج: تفاوض قانوني هادئ في الخفاء، وتصعيد إعلامي ناري في العلن؟
الإدارة كانت قد سرّبت أخبارًا متفائلة عن اتفاق قانوني مع الاتحاد لتسوية الحقوق، مما بعث شيئًا من الطمأنينة في نفوس الجماهير، لكن هذا التصريح الأخير أعاد الأمور إلى نقطة الصفر، وأدخل النادي في حالة من الغموض والانقسام.
المال في جهة، والقرار في جهة أخرى
المفارقة المؤلمة أن صاحب التصريح هو نائب رئيس النادي للشؤون المالية، أي المسؤول الأول عن هذا الملف، ما يطرح أسئلة لا مفر منها:
أين كان خلال الفترة التي تم فيها الحديث عن اتفاق؟
هل شارك في التفاوض أصلًا؟
هل ما صرّح به يمثّل موقفًا رسميًا أم رأيًا شخصيًا؟
هل تم اعتماد هذا الموقف داخل مجلس الإدارة أم أنه جاء كمبادرة فردية على طريقة “خالف تُعرف”؟
هذه التساؤلات تعيدنا إلى جوهر المعضلة:
هل تُدار مؤسساتنا المريخية بمبدأ الشورى والقرار الجماعي، أم بنمط “كل يغني على ليلاه”؟
أزمة في العمق: حين تصبح التصريحات بديلاً للمؤسسات
ليست الأزمة في جوهر المطالبة، بل في طريقة التعبير عنها. التصريح الصادم يشي بأن الأمور تُدار خارج إطار المؤسسية؛ لا محاضر اجتماع، ولا بيان رسمي، ولا حتى تصريح من الرئيس، فقط ظهور مفاجئ لأحد الأعضاء وهو يشهر ورقة “الانسحاب” على الملأ!
هذا النمط من التصعيد العشوائي يبعث برسائل سلبية في اتجاهات عدة:
للاتحاد العام: أن التفاهمات مع إدارة النادي قد لا تمثل كل أجنحته، مما يقوّض مصداقية أي اتفاق.
للجماهير: أن ناديهم لم يبرأ بعد من صراعات الأجنحة وتضارب المصالح، حتى في أكثر الملفات حساسية.
للإعلام: أن التصريحات أصبحت أداة لتسجيل المواقف، لا لإدارة الملفات.
ما بين الابتزاز المشروع والتصعيد غير المسؤول
لو كان هذا الموقف صادرًا عن مجلس الإدارة بأكمله بعد نقاش مؤسسي، لكان من حق النادي أن يستخدم كل الوسائل المشروعة لنيل مستحقاته.
لكن أن يظهر فجأة أحد الأعضاء ويعلن موقفًا بهذا الحجم دون أي غطاء مؤسسي، فهذه وصفة مثالية للفوضى.
بل الأخطر من ذلك، أن تتحول المطالبات المالية إلى ورقة مساومة رياضية، تُستخدم حسب المزاج، لا حسب المصلحة. فهل نحن أمام محاولة جديّة لتحصيل الحقوق، أم أمام صراع مواقع داخلي تُستخدم فيه أدوات النادي؟
رد فعل الاتحاد: تهديد متوقّع أم فرصة للحل؟
من المرجّح أن يقابل الاتحاد العام هذا التصريح بالرفض، وربما التلويح بعقوبات.
لكن السؤال الأهم: هل سيستخدم الاتحاد سطوته لمعاقبة المريخ، أم سيغتنم الفرصة لإعادة بناء علاقة قائمة على التوثيق والشفافية؟
وفي المقابل، هل سيستغل مجلس المريخ هذه اللحظة لوضع حد لعشوائية التصريحات، وإعادة ضبط البوصلة نحو قيادة موحّدة تتحدث باسم النادي لا باسمه الشخصي؟
وقبل الختام والخلاصة:
نحن لا نعيش أزمة مستحقات فقط، بل أزمة مرجعية.
تصريح نائب الرئيس ليس مجرد زوبعة إعلامية، بل عرض لمرض أعمق: انفصام القرار داخل نادي المريخ، وغياب الصوت الرسمي الموحّد.
وفي ظل هذا التمزق، تصبح الجماهير هي الخاسر الأكبر، إذ تُترك للتخبّط بين الوعود والتصريحات، دون بوصلة واضحة أو مخرج آمن.
وأهلك العرب قالوا: “إذا اختلفت الراية، ضاع الجيش.”
فمن الذي يحمل راية المريخ اليوم؟
وهل آن للبيت أن يُنظَّف قبل أن يُطالَب بحقوقه؟
والله المستعان.
