“العدالة الانتخابية حقٌّ يُنتزع”

أبو بكر الطيب
في زمنٍ تكالبت فيه الأزمات على الوطن، واختلط فيه صوت المعركة بصوت الحياة، أبت اتحادات دارفور الكبرى إلا أن ترفع صوتها عاليًا، متحدية كل محاولات التهميش والإقصاء، ومعلنةً موقفًا لا لبس فيه في مواجهة العبث الذي يضرب بجذوره في جسد الكرة السودانية.
فمن رحم الوجع، ومن قلب الواقع الصعب، صدر بيانٌ صادق في لغته، شجاع في مضمونه، عادل في مطالبه. لم يكن البيان مجرد تعبير عن احتجاج، بل كان وثيقة مبدئية وقانونية تفضح التجاوزات، وتدعو لاستعادة ما سُلب من حقوقٍ باسم “الفيفا” زورًا وباسم “المصلحة العامة” كذبًا.
جوهر الأزمة:
الاتحاد السوداني لكرة القدم، وفي ظل اضطراب أمني وإداري غير مسبوق، يُصِر على تقديم موعد الجمعية العمومية الانتخابية من نوفمبر إلى يونيو 2025، دون أدنى اعتبار للواقع الميداني لاتحادات ظلت محرومة من إقامة جمعياتها العمومية بسبب الأوضاع الاستثنائية. الأسوأ من ذلك أن هذا القرار الجائر جاء مترافقًا مع مزاعم مضللة تفيد بأن الاتحاد الدولي لكرة القدم هو من طلب هذا التقديم، دون أي مستند رسمي، وكأنما الرأي العام ساذج، لا يقرأ ولا يسأل!
ما بين التعتيم والإقصاء
البيان يضع اليد على الجرح ويكشف:
• حرمانًا ممنهجًا لاتحادات دارفور من حقوقها الإجرائية في عقد جمعياتها.
• تشويشًا إعلاميًا مقصودًا لتمرير أجندة انتخابية تخدم مجموعة محدودة من المنتفعين.
• إقصاءً صريحًا لأصوات غير موالية، وتطبيقًا صارخًا لمبدأ “إن لم تكن معنا، فأنت خارج اللعبة”.
• تحايلًا إداريًا في إدراج بنود انتخابية خطيرة كـ”نظام القوائم” دون الرجوع للجمعية العمومية السابقة، مما يكشف عن “طبخ” محكم خلف الكواليس لإعادة تدوير النفوذ.
المطالب العادلة
في مواجهة هذه المهزلة، ترفع اتحادات دارفور الكبرى مطالبها بكل وضوح:
1- التمسك بالشرعية: إجراء الانتخابات في نوفمبر، لا يونيو، احترامًا للظرف الوطني ومبادئ العدالة الإجرائية.
2- حق المشاركة للجميع: لا يجوز حرمان أي اتحاد محلي أو نادٍ من ممارسة حقه القانوني تحت أي ذريعة.
3- تمديد اضطراري إن لزم: إذا كانت البلاد في أزمة، فليطلب الاتحاد التمديد من الفيفا بدل أن يُقصي ويُزايد.
4- الشفافية لا التلاعب: من أدخل “نظام القوائم” إلى أجندة أبو حمد؟ ولماذا لم يظهر في محضر بورتسودان؟!
5- مقاطعة واعية وتصعيد قانوني: أي جمعية تُعقد خارج الإجماع الوطني تُعتبر ساقطة من الاعتبار ومفتقدة للشرعية، وستواجه بردع قانوني صارم.
دعوة للتضامن والتحرك:
إن اتحادات دارفور الكبرى لا تطالب بحقوقها فحسب، بل بحقوق جميع الاتحادات والأندية التي سُلب صوتها، وتم تأميم إرادتها في دهاليز الاتحاد. هذه لحظة اختبار وطني للاتحادات الحرة، لحظة يجب أن نرفع فيها شعار: “معًا… لا لانتخابات صورية… لا لاحتكار القرار… لا لعزل الأطراف التي تدفع ثمن البندقية والتهميش في آنٍ واحد!”
على الجميع أن يتحرك، وأن يتوقف عن التفرج على مشهد يُكتب فيه مصير الرياضة السودانية بمداد من التزوير والتغبيش والتجاوز.
الإعلام الرياضي.. أين أنت؟ نخاطب الضمائر قبل الأقلام: كفى مجاملةً، كفى صمتًا، كفى ترويجًا لصورة وردية مزيفة! الحياد في لحظة الظلم انحيازٌ للجلاد. فلتكن لكم كلمة، ولتكن الكلمة موقفًا.
وقبل الختام:
ما يحدث ليس خلافًا إداريًا عابرًا… بل معركة وعي وعدالة ومصير.
الانتخابات لا تُقام فوق ركام الجثث والخراب، ولا تُفصّل على مقاسات الطامحين للخلود في الكراسي.
وإنه لمن المعيب أن تتحول الرياضة، التي كان من شأنها أن توحّدنا، إلى وسيلة لتقسيمنا
وأهلك العرب قالوا:
“العدل أساس المُلك، فإذا سقط الأساس… انهار البناء ولو كان من ذهب”.
فليسمع الاتحاد، ولتشهد المنصة، ولتكتب الذاكرة: هذا هو الصوت الذي لا يُقهر… صوت دارفور الكبرى، ومن ورائها كل من آمن بالحق وعدالة الملعب.
والله المستعان
