حقوق أندية الممتاز.. هل ضاعت أم أُضيِعت؟
أبو بكر الطيب
قراءة في جريمة تهميش الأندية الكبرى بين تواطؤ الداخل وتخطيط الاتحاد
مدخل
“هل أندية الممتاز أضاعت حقوقها أم أنها ضُيِّعت بفعل فاعل؟”
سؤال صريح وموجع طرحه الدكتور مدثر خيري في مقاله الأخير، يضعنا مباشرة أمام جوهر الأزمة الكروية السودانية، لا سيما في شقها المؤسسي والتشريعي. إنه سؤال لا يبحث عن إجابة فقط، بل يدعونا إلى مراجعة نقدية عميقة لما حدث لأندية الممتاز، وكيف جُرّدت تدريجيًا من حقوقها التي كفلتها القوانين، ثم سُلبت منها، تحت غطاءات متعددة من التضليل والتفتيت والتغافل.
من الصعود إلى التهميش: كيف أُفرغت الأندية من مضمونها القانوني؟
حين مُنحت أندية الدرجة الممتازة عضوية مباشرة في الاتحاد السوداني لكرة القدم لأول مرة عام 2017، كان ذلك بمثابة نصر قانوني يعيد الاعتبار لهذه الأندية كمكوّن أساسي لا يعلو عليه سوى المنتخب الوطني. لكن سرعان ما بدأ هذا النصر يتآكل بفعل تغييرات دستورية نُسجت بخيوط ناعمة لكنها مسمومة، حتى جاء نظام 2024 لينزع عن الأندية ما كانت تملكه من أدوات التأثير، ويضعها في مصاف التابع الصامت.
أبرز ما خسرته الأندية بفعل التعديلات:
تقليص حق الترشيح:
لم تعد الأندية تملك حق تسمية مرشحيها بحرية، بل خضعت لمنطق “القائمة الموحدة” التي تُصاغ في الظلام ثم تُفرض عليها بذرائع الوحدة الزائفة.
تحوير مناصب النواب:
أُلغيت مناصب النواب بوصفهم رؤساء لجان متخصصة (المسابقات، المالية، القوانين…) واستُبدلوا بممثلين للمناطق التي تهيمن عليها اتحادات محلية، لتُقصى بذلك أندية الممتاز تمامًا.
الانقلاب على مفهوم الشراكة:
أُلغي النص الصريح بأن “دوري المحترفين هو أعلى دوري وطني”، وأُضعف دور رابطة الأندية المحترفة لتُصبح مجرد واجهة باهتة ضمن هيكلية الاتحاد، لا كيانًا مستقلًا كما ينبغي.
احتكار الحقوق التسويقية والمالية:
بعد أن كانت الأندية تملك حصة عادلة من الحقوق التسويقية، أصبح الاتحاد هو المالك الوحيد، متحكمًا في الموارد، وفي من يستحق أن يُكافأ أو يُعاقب ماليًا.
اشتراط عضوية الاتحاد المحلي:
المادة 40 نصّت بوضوح على أن العضو المنتخب في مجلس إدارة الاتحاد العام يجب أن يكون عضوًا منتخبًا في اتحاد محلي، وهو شرط يقصي معظم قادة أندية الممتاز ممن ليست لهم صفة في تلك الاتحادات.
هل كانت الأندية ضحية.. أم شريكة في التنازل؟
من السهل تحميل الاتحاد العام كامل المسؤولية، لكن الحق يُقال: أندية الممتاز نفسها، وعلى رأسها المريخ والهلال لم تكن بريئة مما جرى. لقد اختارت إداراتها أن تنكفئ على معارك التسجيلات، وتستنزف مواردها في استعراضات لا تبني مستقبلًا ولا تحفظ مكانة.
وفي المقابل نجد أن:
• إدارات بلا استراتيجية:
انشغلت في شراء اللاعبين وتجاهلت المعركة الأهم: معركة الموقع والقرار داخل الاتحاد.
• تخبط وهدر مالي:
صرفت مبالغ ضخمة على محترفين دون عائد، وكان يمكن توجيه هذه الأموال لإعداد كوادر قانونية وفنية تدافع عن حقوق النادي.
• تفتيت الصف الداخلي:
لم تستطع الأندية تشكيل جبهة موحدة، بل تركت لكل نادٍ أن يبحث عن مصالحه الفردية، فانتهى بها الأمر إلى الشلل الكامل أمام ماكينة الاتحاد.
الاتحاد العام: صانع القرار.. وسارق الحقوق!
تحرك الاتحاد العام بدهاء فاقع: أضعف الأندية من الداخل، ثم ضرب من الخارج بتعديلات أُعدّت في الخفاء، وعُرضت على جمعيات عمومية غير واعية أو مستلبة. لم يكن الهدف تطوير اللعبة، بل تأميم القرار الرياضي لصالح قلة محددة، تسعى لتأبيد نفوذها وضمان ديمومتها.
• التعديلات التي مرت دون عرضها كمشاريع واضحة.
• الصمت المتواطئ من بعض الأندية مقابل وعود أو امتيازات عابرة.
• إحكام السيطرة على بنية النظام الأساسي بما يجعل التغيير من الداخل شبه مستحيل.
كلها تدل على أن ما حدث لم يكن خطأ عابرًا أو اجتهادًا أحمق، بل كان فعلًا ممنهجًا ومخططًا له بعناية.
لكي تعود أندية الممتاز لاعبًا حقيقيًا لا مجرد ديكور في قاعة الاجتماعات، يجب أن تسير وفق خارطة واضحة:
الوحدة أولًا:
لا بد من خلق “تكتل صلب” يضم أندية الممتاز، تتخذ فيه القرارات الاستراتيجية جماعيًا لا فرديًا.
استعادة الوعي القانوني:
إعداد ورش وندوات تثقيفية لإدارات الأندية لفهم النظام الأساسي وتفكيك الشِباك التي حُبكت حولهم.
تكوين جسم مستقل للأندية:
رابطة محترفة حقيقية، بصلاحيات كاملة، تشرف على التسويق والتخطيط وتملك صوتًا واضحًا في اتحاد الكرة.
الضغط لتعديل النظام الأساسي:
لا جدوى من أي حراك دون تغيير قانون اللعبة نفسه. لا بد من العودة إلى نصوص 2017 مع تعديلات تضمن الحوكمة الحقيقية.
الاستعانة بالخبرات القانونية والإعلامية:
لا بد أن تكون هناك أصوات قانونية نزيهة وصحافة مستقلة تدافع عن قضية الأندية بعيدًا عن طنين المطبلاتية.
وقبل الختام:
أندية الممتاز… لا تضيّعوا ما تبقى!
هذه ليست معركة ضد الاتحاد العام فقط، بل ضد الضعف الذي يسكن داخل الأندية نفسها. لا مجال للبكاء على الحقوق الضائعة، بل هناك فرصة قائمة لاستعادتها، بشرط أن تنهض الأندية من سباتها وتدرك أن موقعها في خارطة الرياضة السودانية لا يُمنح.. بل يُنتزع.
وأهلك العرب قالوا:
“ما ضاع حقٌ وراءه مطالب، وما استُعبد قومٌ إلا فرّطوا في حريّتهم أولًا!”
والله المستعان
