وسط الرياح

طه الذي تاه

عدد الزيارات: 21٬003

474

طه الذي تاه

أبو بكر الطيب

بيانٌ ضلّ طريقه وخان رسالته
في زمنٍ تُخلط فيه الأدوار، وتُباع فيه الأمانات بثمنٍ بخس، يطلّ علينا بيان غريب، يحمل توقيع رجل كان يُفترض أن يكون في موقع الحياد والاتزان، فإذا به يسير في دروبٍ ما كان ينبغي له أن يخطو فيها.

بيانٌ طويلٌ، ممهور باسم الأستاذ طه أحمد عبد الجليل، رئيس لجنة الوساطة، يُعلن فيه – بزهوٍ لا يخلو من التناقض – “عودة اتحاد الخرطوم إلى المنظومة الكروية“، ويغلف المشهد بورق سلوفان من التقدير والتبجيل للذات، حتى يكاد القارئ يظن أن الرجل فتح الأندلس من جديد.

لكن، إذا أزحنا ورقة التوت التي غطت بها اللجنة ما قامت به، فإن ما يتكشف لنا ليس وفاقًا ولا إصلاحًا، بل خيانة ناعمة للتكليف، وانقلاب هادئ على المهمة الأصلية، وتحوّل خطير من وساطة مأمولة إلى تسيير مشبوه.

من الحياد إلى السيطرة: سقوط القناع
كان دور اللجنة واضحًا لا لبس فيه: الوساطة، لا الإدارة. جمع الصف، لا تمزيقه. تيسير التلاقي، لا احتكار القرار. غير أن اللجنة – وعلى رأسها من وضعنا فيهم ظنّنا الحسن – طه الذي تاه، تجاوزت حدودها المرسومة، وانتهجت مسارًا منفردًا لم تستشر فيه من كلفوها، ولم تعُد إلى القاعدة التي منحتها الشرعية.

فمن لجنة وساطة جاءت بـ”الجودية”، تحوّلت بليلٍ إلى لجنة تسيير تُعيِّن نفسها بنفسها، وتقرّر، وتُعد خارطة طريق، وتدخل الملعب الرياضي والإداري من أوسع أبوابه.

فهل هذه وساطة؟ أم هي صفقة مغلّفة بشعارات الوفاق؟

بيان باسم “الأندية”.. لكن من فوضكم؟
البيان الممهور بـ”اسم أندية اتحاد الخرطوم” هو في الحقيقة منسوب زورًا إلى أصحاب الشأن الحقيقيين. لم تجتمع الأندية. لم تُستفتَ. لم تُعرض عليها خارطة الطريق، ولا طُلب منها رأي. ومع ذلك، خرج البيان، وتُلي باسمها، في خرق فاضح لكل أعراف العمل الجماعي واحترام التفويض.

أما التوقيع باسم الأستاذ طه أحمد عبد الجليل، فكان الطامة الكبرى: هل كان يعلم مضمون البيان بكل تفاصيله؟ هل أقرّ تحوّل لجنته من وساطة إلى تسيير؟ أم أن هناك من كتب البيان باسمه، وورّطه في مشهد سيظل يطارده طويلًا؟

وفي الحالتين، السكوت لا يُغني، والتبرير لا يشفع، فالرجل اليوم في واجهة التناقض، وعليه أن يُوضح قبل أن يَنفُذ صبرُ الناس.

حين تهزم المصلحة الأمانة
إن أخطر ما في المشهد ليس البيان ذاته، بل ما يكشفه من عطبٍ أخلاقي وانهيار قيمي، حين تتقدّم المصلحة على الأمانة، وحين يتحوّل الوسيط إلى طرف، والمكلّف بالإصلاح إلى مستفيد من الأزمة.

هذه هي اللحظة التي يُرفع فيها القلم عن المدح، ويُسحب فيها التفويض، ويُكتب فيها تاريخ جديد لا يُشبههم.

ما جرى ليس شطارة سياسية ولا حكمة في إدارة الأزمة، بل هو تفريط فجّ في التكليف، وتسلّق على ظهر الأمانة للوصول إلى المناصب. لقد تاه طه، وضاعت معه فكرة الوساطة النبيلة، وتحولت اللجنة إلى أداة بيد من لا يريدون الإصلاح، بل التحكم.

دعوة للفرز والتصحيح
ما زال الوقت متاحًا – وإن ضاق – لتصحيح المسار.
ندعو الأندية الحقيقية، والمجتمع الرياضي، وكل من يملك صوتًا نزيهًا، أن يقف وقفة مراجعة، ويرفض هذا الانقلاب الناعم على القيم. لا يمكن أن يُبنى اتحاد الخرطوم من جديد على رمال الخداع، ولا على ظهور من خانوا الأمانة.

وأهلك العرب قالوا: “من ضيّع الأمانة لا يُنتظر منه عدل، ومن تاه عن الصدق لا يُرجى له إصلاح.”

والله المستعان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..