وسط الرياح

اتحاد الخرطوم.. تحويل التفاوض إلى لجنة تطويع

عدد الزيارات: 21٬004

أبو بكر الطيب

أبو بكر الطيب

هل يمكن أن تُحل أزمة اتحاد الخرطوم بقرار فوقي من أي جهة؟
وهل يمكن لعلة الهيمنة أن تُعالج بوصفة من نفس الداء؟

من يتأمل أزمة اتحاد الخرطوم لكرة القدم سيجد أنها مشكلة إجرائية قانونية وخلاف تنظيمي، كما إنها مرآة عكست وجع الرياضة السودانية بكل ما فيها من هشاشة في الحوكمة، وعطالة في الإدارة، واستغلال للنفوذ، وتسفيه لمفاهيم العدالة والمشاركة والمؤسسية، وبيع للضمير والمصالح الشخصية.

لجنة التفاوض والجودية.. أداة علاج أم وسيلة قمع؟
قبل مدة، تكوّنت لجنة تفاوض لحل مشكلة اتحاد الخرطوم وإنهاء القضية بطريقة ودية كسبًا للزمن وإعادة اتحاد الخرطوم لوضعه الطبيعي والطليعي، وقد استبشرنا بها خيرًا. لكن، ذهبت هذه اللجنة ولم تعد بما ذهبت من أجله، وعادت ترتدي عباءة لجنة تطبيع.

هذا ما حدث للأسف، فبدلًا من أن تكون هذه اللجنة أداة إصلاح مؤقتة كما يوحي اسمها، تحولت شيئًا فشيئًا إلى لجنة تطويع، تختار من تشاء وتقصي من لا يعجبها، وتعيد تشكيل الاتحاد المحلي على مقاس السلطة لا على معيار النزاهة أو رضا القاعدة الرياضية.

هذا الانقلاب الهادئ على الشرعية قُدّم للشارع الرياضي كما لو كان “خطة إنقاذ”، بينما في جوهره لم يكن سوى إعادة تدوير للمشكلة وتضخيمها.

الصراع من أجل اللاشيء
الغريب أن كل هذه الصراعات، وكل هذه الاستماتة في السيطرة، لا تتعلق بموارد ضخمة أو بنفوذ دولي، بل بنشاط محلي منهك، ووضع متصدع، وأندية تبحث عن حق الترحيل والمعدات، وملعب يبحث عن التنجيل والإنارة!

لكن المشكلة تكمن في طغيان شهية التحكم وانعدام ثقافة التداول والتشارك في المسؤولية، والانفراد بالإدارة من مجموعة أصبحت متعاقبة وحكرًا عليها وحدها في إدارة الاتحاد.

اللجان العدلية وكأنها “ورثة دائمون”، تنصب نفسها حكمًا وخصمًا في آن.

وفي خضم كل هذا، يخرج لنا “المطبلاتية” و”الكرتجية” الجدد، يحرفون بوصلة النقاش، ويشيطنون من يطالب بالتصحيح، ويزينون للناس قرارات خاطئة بثياب الحكمة الزائفة. فأصبح الإعلام الرياضي -في كثير منه- جزءًا من الأزمة بدل أن يكون ضميرها الحي.

الخرطوم بلا اتحاد… والكرة تموت صامتة
مضى أكثر من ثلاثة أعوام على تجميد النشاط، وغابت المنافسات، وتبعثرت الجهود.

وحدها الأندية التي ستدفع الثمن… وحدهم اللاعبون الشباب يرون أحلامهم تُدفن تحت ركام العبث الإداري… بينما يجلس “الزعماء الجدد” فوق كراسي بلا مشروعية، يبررون وجودهم بإعلام مأجور، وصمت من الغالبية العظمى، وخوف جماعي.

فلنضع نهاية لهذا المسلسل الرديء
إن اتحاد الخرطوم لا يحتاج إلى لجنة تفاوض، لكنه يحتاج إلى لجنة إحياء للضمير الرياضي.

يحتاج إلى نظام أساسي وجمعية عمومية حقيقية، يُدعى إليها الجميع وفق قواعد واضحة، ويُعاد فيها تحديد الاتجاهات وفق إرادة الأندية، لا رغبات المطبلاتية والكرتجية.

ويجب أن يُعاد النظر في مفهوم “اللجان العدلية” وطريقة اختيارها و”التسيير”، لأن ما يُمارس باسم اللجان العدلية هو في الحقيقة مؤامرة ممنهجة لتجفيف منابع الشرعية وخلق كيانات هشة تتبع لأفراد لا لكيان.

ماذا نريد؟
نريد اتحادًا محليًا يتمتع باستقلال إداري حقيقي، ونظامًا أساسيًا عصريًا، وانتخابات نزيهة، وإعلامًا مسؤولًا، وشبابًا يمارس الكرة لا ينتظر المصير.

نريد أن نخرج من نفق السيطرة المركزية إلى رحاب المؤسسات القاعدية.

نريد حلًا لا يجامل أحدًا، ولا يُقصي أحدًا… بل يعيد ترتيب المشهد على أساس: الشفافية، والقانون، والعدالة.

وقبل الختام:
أزمة اتحاد الخرطوم تعتبر قدرًا محتومًا نتج عن تراكمات من الإهمال والتجاوزات، وحلّها ممكن إذا اجتمع الضمير، وغلبت المصلحة العامة، وعاد الجميع إلى جادة القانون.

وأهلك العرب قالوا:
“إذا خاصمتِ الحكمةُ المصالح، كسبت الأخيرة الجولة، لكنها خسرت المعركة.”

والله المستعان

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..