الوهم يهدم اتحاد الخرطوم

أبو بكر الطيب
على مرّ التاريخ، كانت الشخصيات الوهمية جزءًا من المشهد المجتمعي، تحمل معاني عميقة وتُسقط على واقعنا المعاصر عبر صور خيالية مختلفة، لكنها كثيرًا ما كانت تُجسّد قضايا حقيقية. ولكن عندنا في الوسط الرياضي المتأزم، قد ابتُلينا بشخصيات وهمية من نوع آخر: شخصيات تُجسّد الانتهازية والانقياد، وتعمل على تخريب كل ما تبقى من أمل في الإصلاح ولمّ الشمل.
وهْم “المطبلاتية” و”الكرتجية” أدوات الزيف والانحدار
لم نعد بحاجة إلى فلاسفة لتفسير ما يجري، فقد تكفّلت “المطبلاتية” و”الكرتجية” بفضح أنفسهم في وضح النهار. إنهم ليسوا أفرادًا بأسمائهم فقط، بل نماذج ذهنية تتحرك بيننا، وتعمل بتناسق عجيب على تخدير الرأي العام، وتزييف الحقيقة، وتسويق الفشل على أنه نصر، والفساد على أنه إنجاز.
في قروبات الرياضة، وعلى منصات النقاش، تجدهم يصيحون أكثر مما يُفكرون، يرفعون اللافتات الجاهزة، ويردّدون شعارات ليست من بنات عقولهم، بل من جيوب من يدفع لهم، أو من خوفهم على مصالح مهددة.
“المطبلاتي” يُزيّن الفشل بالمديح، و”الكرتجي” يُشيطن كل من يجرؤ على قول الحقيقة. لا فرق عندهم بين مشروع ناجح وخراب مؤسس، فهم في النهاية مجرد أدوات لتمرير الأجندات.
اتحاد الخرطوم… الضحية الأبرز
ما يحدث الآن في اتحاد الخرطوم ليس نتيجة قرارات خاطئة فقط، ولكنه نتيجة تواطؤ جماعي صامت، يقوده جيش من “المطبلاتية” و”الكرتجية”، ممن باعوا أصواتهم لمن يتقن دغدغة مشاعرهم وإشباع حاجاتهم الصغيرة. لقد أصبحت القضية لا تُناقش بمنطق العقل ولكن بمنطق الولاءات الشخصية والانفعالات الصوتية.
إن من يحاول نقدهم، أو كشف زيفهم، يجد نفسه أمام جوقة جاهزة للإجهاز عليه، فتُصنّع له الاتهامات، ويُرمى بالخيانة، ويتحوّل إلى هدف مشروع لسهام “الردحي والحكامات الرياضية”.
الرأي أم النفاق؟
وهنا لا بد من التمييز الجوهري:
الرأي يصدح بالحقيقة ولو خالف الجميع، أما التطبيل فهو صدى أجوف لرغبة من يدفع أكثر أو يُهدد أقوى.
الطبال لا يُناقش، بل يُكرر… والكرتجي لا يُحلل، بل يُحرض… وكلاهما لا يحترم عقول الناس، بل يراهن على تغييبها.
التزييف الرقمي: القروبات كنموذج
لقد تحولت مجموعات النقاش، التي كان يُفترض أن تكون منابر للتنوير، إلى ورش نفاق إلكتروني، تُعاد فيها سمكرة الأكاذيب على هيئة معلومات مصقولة، تُشارك، وتُعلّق عليها جيوش الوهم، ويصفق لها المُضلَّلون، في حين يتقلب اتحاد الخرطوم في غيبوبة داخل غرفة الإنعاش لا يُراد له أن يخرج.
الحقيقة قادمة… والرياح لا تُبقي شمعةً زائفة
كل هذا الزيف لا يصمد طويلًا. فالوهم مهما تجمّل، لا يصمد أمام نور الحقيقة. وعاجلًا أو آجلًا، ستتبدد هذه الشخصيات الوهمية كما تتبدد فقاعات الصابون في وجه العاصفة. وها هي العاصفة قادمة، تُدركها كل العقول التي لم تبع نفسها، وكل الضمائر التي لم تُشترَ بثمن بخس.
دعوة مسؤولة
كفانا خداعًا. كفانا تطبيلًا. كفانا تسويقًا للأوهام.
على كل غيور على مستقبل الرياضة في السودان أن يُسهم في كشف هذا الزيف، وفضح أدواته، ومقاومة تحويل الاتحاد إلى ملكية خاصة لأهل “الردح والمؤامرات”.
من حق الجميع الاختلاف، لكن ليس من حق أحد أن يخون الوسط الذي ينتمي إليه لمجرد أنه يملك طبلًا أو كرتجي!
وأهلك العرب قالوا:
“إذا كثر الطبالون، فاعلم أن الجمع أخرس، وإذا كثر الكرتجية، فاعلم أن الموكب بلا اتجاه.”
فاتركوا الموكب يسير على صوت العقل لا على إيقاع الزيف، فلن ينتصر الاتحاد إن بقيت الساحة أسيرة طبولهم ومزاميرهم.
والله المستعان
