انهيار وشيك أم فرصة أخيرة للإنقاذ؟

انهيار وشيك أم فرصة أخيرة للإنقاذ؟
أبو بكر الطيب
في أيامٍ حبلى بالاضطرابات والمفاجآت، دخل نادي المريخ في دوامة جديدة من الأزمات، بعد أن تقدّم عدد من أعضاء مجلس إدارته باستقالاتهم، في مقدّمتهم منير، ومرتضى، وخالد زروق، بالتزامن مع توالي الصدمات الإدارية والقانونية، وعلى رأسها إحالة النادي للجان الانضباط والتراخيص بسبب انسحابه من نهائي كأس السودان.
أمام هذه الوقائع المتسارعة، يُطرح السؤال الحتمي:
هل يوشك المريخ على الانهيار الكامل، أم أن هذه الهزة قد تكون آخر جرس إنذار قبل الانفجار الشامل أو الانبعاث المنشود؟
أولًا: الاستقالات… أزمة قيادة أم فشل منظومة؟
الاستقالات الأخيرة لم تأتِ من هامش المشهد، ولكن من قلب التشكيل الإداري. استقالة شخصيات مثل منير ومرتضى وخالد زروق تحمل دلالات خطيرة، لا سيما أنها جاءت من داخل الدائرة المؤثرة في المجلس، وفي توقيت بالغ الحساسية.
ورغم غياب التصريحات الرسمية عن دوافع الاستقالات، إلا أن الخطابات المتداولة تعكس إحساسًا بالعجز، وعدم التوافق، وانسداد الأفق، وانعدام الجدوى من الاستمرار، وهي إشارات تكشف أن المنظومة الإدارية تعاني من تصدّعات هيكلية قديمة لم يُفلح التجميل في إخفائها.
اللافت أن استقالة أسامة عبد الجليل قبلها كانت قد مهّدت الطريق لهذا الانهيار المتسلسل، ما يعني أن المجلس يفتقر إلى الانسجام والتماسك الداخلي، ويعاني من هوة فكرية وشلل في اتخاذ القرار، وهو ما أشرنا إليه بوضوح:
“الهوة الفكرية بين مكونات المجلس كانت سبب الشلل التام الذي أعاق النجاح.”
ثانيًا: التداعيات المباشرة… فراغ إداري أم فرصة لإعادة البناء؟
عندما يغيب القادة، يتصدّع البناء. لكن الفراغ الإداري في نادٍ بحجم المريخ لا يُمكن أن يُترك دون تبعات:
تعطيل العمل المنسجم، وتأجيل الملفات الجوهرية مثل التسجيلات والعقود والتجهيز للموسم الجديد.
حالة من القلق والتذبذب بين اللاعبين والجهاز الفني الذين يفتقرون الآن إلى وضوح الرؤية.
احتقان جماهيري متزايد يشعر بالخيانة والخذلان من إدارة علّقت عليها الآمال، لكنها لم تلبِّ الحد الأدنى من الطموحات.
لكن في المقابل، فإن هذا الانهيار قد يكون فرصة للغربلة، لإعادة هيكلة المنظومة، وطرد الانتهازيين، واستجلاب الكفاءات الحقيقية.
ثالثًا: عقوبات الاتحاد السوداني… مسمار آخر في نعش الكيان؟
في تطوّر موازٍ، قرّرت لجنة المسابقات بالاتحاد السوداني اعتبار المريخ مهزومًا في نهائي كأس السودان بسبب انسحابه، وأحالت ملفه للجنتي الانضباط والتراخيص.
الاتهامات تتمحور حول مخالفة مواد متعددة من لوائح الاتحاد، أهمها:
المادة (12) من لائحة المنافسات.
المادة (54) من لائحة الانضباط.
المواد (22) و(28) من لائحة تراخيص الأندية 2019.
وتكمن الخطورة في أن العقوبات قد لا تقتصر على مباراة واحدة، بل قد تؤدي إلى حرمان المريخ من التمثيل القاري في الموسم المقبل، وهو خطر وجودي يُهدد مكانة النادي وهيبته، ويضعف قوته التفاوضية مع اللاعبين والرعاة.
المثير أن هذه القرارات اتسمت بـ”السرعة الفائقة”، وهو ما سخر منه الأستاذ محمد الطيب كبور، حين شبّهها بنكْتة:
“السرعة أهم من الدقة”
فالقرارات، بحسب وصفه، جاءت كـ”رد فعل انتقامي”، دون وقوف جاد على تفاصيل الاتفاق السابق بين المريخ والهلال، ولا تقييم لمشروعية ما سُمّي بـ”النهائي المزاجي” لكأس السودان.
رابعًا: غياب المجلس الرادع… أحد أسباب التفريط في الحقوق!
في خضم كل هذا، كان غياب رد الفعل الرسمي من مجلس المريخ أفدح من الخطأ ذاته.
فبينما كان يُفترض بالمجلس أن يطعن في شرعية المباراة، ويصعّد القضية قانونيًا، اكتفى بالصمت، وكأن ما يحدث خارج إرادته.
هنا تحديدًا تبرز أزمة القيادة:
مجلس ضعيف، تائه، غير قادر حتى على الغضب والحفاظ على مكتسباته…
مجلس كان من المفترض أن “يُحرّك روما” دفاعًا عن حقوق ناديه، فإذا به يدوس الفرامل، ويكتفي بمشاهدة الانهيار!
خامسًا: نداءات من قلب الغبار
في ظل هذا المشهد القاتم، خرجت أصوات مريخية عاقلة من صمتها، كان أبرزها صوت الأستاذ نادر مالك، الذي دعا إلى وقفة صادقة، وتحرك شجاع، ومشاركة فعالة من جميع المكونات لإنقاذ الكيان من السقوط.
إنها دعوة لاجتراح أفق جديد، يقوده الضمير المريخي الحرّ، لا أولئك الذين اعتادوا أن يسيروا خلف الريح.
قبل الختام: هل يُمكن إنقاذ المريخ؟
رغم كل هذه الكوارث، فإن الانهيار ليس حتميًا، لكنه وشيك إن لم تُتخذ خطوات فورية.
ما بين الرماد والبعث… ليس المريخ أول نادٍ يتعرض لهزات، ولن يكون الأخير، لكن ندرة القيادات الرشيدة اليوم تجعله أكثر عرضة للانهيار إن لم تتحرك قواه الحية.
المريخ الآن في حالة أقرب إلى الرماد:
حرارة المكائد، فتور القيادة، غبار الصمت.
لكن تحت هذا الرماد، ما زال الجمر حيًا،
وما زالت الجماهير قادرة على النفخ فيه،
لا لتشعل فتنة… بل لتوقد مصباح التغيير.
وأهلك العرب قالوا: “إذا ضاقت الأمور، اتسعت… وإذا اشتدّ الظلام، اقترب الفجر.”
والله المستعان.
