أموال المريخ.. الحقيقة وخفايا الكواليس

أبو بكر الطيب
كلنا تابعنا أزمة أموال نادي المريخ التي تقترب قيمتها من 772 ألف دولار، والتي تفجرت داخل الوسط الرياضي وفي حالة انقسام حاد بين من يصدق رواية النادي بأنه لم يتسلم سوى 420 ألف دولار، وبين من يساند رئيس الاتحاد السوداني لكرة القدم، معتصم جعفر، الذي يصر على أن المريخ قبض كامل مستحقاته.
لكن وراء هذا السجال الإعلامي والجدل العاطفي، هناك أسئلة غائبة وزوايا مظلمة لم تجرؤ الأقلام على الدخول إليها، إما خوفًا من الاصطدام بأطراف نافذة، أو عجزًا عن تفكيك الروايات.
أولاً:
ما وراء التوقيت المتأخر للتصريحات التي أدلى بها معتصم جعفر
تساءل الجميع:
لماذا تأخر رد معتصم جعفر؟ ولكن السؤال الأعمق هو:
هل كان التأخير استراتيجية متعمدة؟
ربما انتظر رئيس الاتحاد لحظة مناسبة، وتحديدًا بعد استقالة مجلس المريخ برئاسة عمر النمير، ليطرح روايته دون أن يواجه لجنة إدارية صلبة يمكنها الرد الفوري أو تقديم مستندات مضادة. لأنه في عالم السياسة والرياضة، التوقيت لا يكون صدفة، ولكنه جزء من إدارة المعركة.
ثانياً:
أين الحجة الدامغة؟
عندما يقول رئيس الاتحاد إن القضية “من صناعة الإعلام”، فإن أبسط رد متوقع منه هو نشر كشوفات التحويلات البنكية التي تثبت استلام المريخ كامل المبلغ.
هنا يطرح السؤال نفسه:
هل يملك هذه الكشوفات فعلًا؟
وإذا كان يملكها، فلماذا لم ينشرها فور تفجير القضية لكان أوقف سيل الشكوك؟
وإذا لم يكن يملكها، فكيف يجزم أن النادي استلم كامل المبلغ؟
إن غياب الوثائق في مثل هذه القضايا يجعل الرواية، مهما كانت قوية لفظيًا، أقرب إلى الدفاع الإنشائي لا البرهان القاطع.
ثالثاً:
غياب المساءلة القانونية
لو كان رئيس الاتحاد واثقًا أن هناك شخصًا أو جهة أساءت إليه عمدًا، سواء من نادي المريخ أو من الإعلام، فلماذا لم يرفع الأمر إلى لجنة الانضباط أو حتى القضاء الرياضي والدولي (الفيفا)؟
في قضايا السمعة المالية، يلجأ المسؤولون عادةً إلى التصعيد القانوني لحماية مكانتهم، لكن الاكتفاء بالتصريحات الإعلامية فقط، يوحي إما بالرغبة في إبقاء القضية في مستوى “الجدل العام” دون الوصول إلى “حسم قضائي”، أو بوجود هشاشة في الموقف القانوني لا تسمح بالمواجهة الرسمية.
رابعاً:
الحساب الشخصي… الفعل الذي يصنع الشبهة
الاعتراف بوضع الأموال في الحساب الشخصي قبل تحويلها للنادي هو في حد ذاته إدانة إجرائية، حتى لو لم يكن هناك اختلاس مباشر.
من الناحية الإدارية، أموال الأندية يجب أن تمر عبر قنوات رسمية موثقة، لا حسابات شخصية.
من الناحية القانونية، هذا السلوك يفتح الباب أمام أي جهة رقابية لتوجيه تهم “سوء التصرف المالي” أو “انتهاك لوائح الحوكمة”.
ولأن معتصم جعفر له سابقة مشابهة في الماضي، فإن تكرار هذا الأسلوب يُضعف حجته ويجعل أي مبررات لاحقة محل تشكيك.
خامساً:
السيناريوهات المحتملة خلف الكواليس
من خلال قراءة المعطيات، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات ممكنة:
- سيناريو سوء الإدارة البحت
الأموال وصلت إلى حساب معتصم جعفر، أودعها في حسابه لتسريع إجراءات الصرف، ثم حدث تأخير أو أخطاء محاسبية، ما خلق فجوة في التوقيت سمحت بتضخم الشائعات. - سيناريو الخلافات داخل الاتحاد ونادي المريخ
فالقضية استُخدمت كورقة ضغط أو تصفية حسابات بين أطراف متنازعة في نادي المريخ، فتم تسريب معلومات ناقصة أو مشوهة لخلق أزمة ثقة مع رئيس الاتحاد. - سيناريو الاستفادة الشخصية
تأخير تسليم جزء من المبلغ أو تدويره عبر قنوات غير رسمية قد يتيح الاستفادة منه لفترة معينة، قبل إعادة ضخه للنادي أو لتغطية التزامات أخرى، وهو سيناريو يصعب إثباته دون تحقيق مالي دقيق.
سادساً:
الجمهور… الضحية الصامتة
وسط هذه المعركة الكلامية، يظل جمهور المريخ هو الطرف الأكثر خسارة. فهو الذي يجهل حقيقة الأمر، ثم يجد أموال ناديه تتحول إلى لغز مالي وإداري. وفقدان الثقة في القيادات الرياضية يترك أثرًا عميقًا، وربما يخلق فجوة طويلة الأمد بين الجمهور وناديه.
سابعاً:
ما الذي يجب أن يحدث الآن؟
هل نطمع في تحقيق مالي مستقل بواسطة جهة محايدة، مع نشر نتائجه للرأي العام؟
أم إصلاح لوائح الاتحاد السوداني لمنع أي مسؤول من وضع أموال الأندية في حسابات شخصية؟
أم تحديد آلية محاسبة شفافة لكل من يثبت عليه التلاعب أو الإهمال في إدارة أموال الأندية؟
وقبل الختام:
القضية الآن تدور حول من استلم أموال المريخ، وهل تم استلامها فعلًا أم لا؟ وكيف تُدار أموال الأندية بواسطة الاتحاد السوداني، ومن يراقب ذلك؟
إذا لم يتم الحسم الشفاف، فإن نفس المشهد سيتكرر، لكن مع أندية أخرى وأسماء مختلفة.
وأهلك العرب قالوا:
“من غاب عنه الرقيب، حضرته الرغبة”
وغياب الرقابة هو التربة الخصبة لكل أشكال الفساد، سواء كان فسادًا متعمدًا أو سوء إدارة يرقى إلى مستوى الجريمة، والمال السائب معلم السرقة.
والله المستعان.
