وهم العاطفة وحقيقة المنطق
أبو بكر الطيب
ما يجرى في الساحة الرياضية لا يختلف كثيرًا عن قصة خيالية، بطلها الوهم وزينتها العاطفة.
فحين أعلنت اللجنة القانونية بالاتحاد السوداني لكرة القدم عن تعيين لجنة تطبيع لاتحاد الخرطوم، كان المشهد خرقًا صريحًا للنظام الأساسي، وتحديًا سافرًا لأمر قضائي واضح يقضي بوقف أي إجراء لحين الفصل في النزاع.
القانون قالها بجلاء: لا سلطة للاتحاد العام على شؤون الأعضاء.
والقضاء حسمها بصرامة: توقفوا حتى تُفصل القضية.
ومع ذلك مضى القرار كأنه قدرٌ محتوم لا يُرد، ثم وجد من يبرره ويصفق له!
وهنا تطغى العاطفة على المنطق.
المفارقة أن الوسط الرياضي لم يتجه إلى النقد والمساءلة، وكل ما فعله إنه اتجه إلى التصفيق والتبرير.
وكأننا جميعًا قراءٌ لقصة خيالية صدقناها رغم وضوح تناقضاتها.
سمحنا للعاطفة أن تسبق المنطق، وللمجاملة أن تهزم القانون، وللشعارات أن تخنق صوت العقل.
صار تجاوز القوانين يُسمى “إصلاحًا”، وتخطي القضاء يُسوَّق على أنه “ضرورة”، وكل ذلك لم يكن سوى غطاء لواقعٍ فاسد.
وفي مشهد أكثر خطورة رأينا الغالبية تنساق وراء الوهم.
وهنا مكمن الخطر. فالرياضة لعبة جماعية تُشكِّل وعي الناس وقيمهم. وإذا تعاملنا معها بعاطفة عمياء، زرعنا فيها بذور الفوضى أوسع وأوسع.
• نقوّض الكيانات حين نقبل بالقرارات غير الشرعية.
• نشرعن الفوضى حين نغطي التجاوزات بعبارة “الظروف تحكم”.
• نكرّس للضعف حين نصمت أمام العبث ونحوّله إلى أمر واقع.
ولأن النهاية الطبيعية لأي وهم هي السقوط، فإن مشهدنا الرياضي ماضٍ إلى مأساة السقوط ما لم نصحُ من غفلتنا.
فقد أصبح الولاء المادي… موت الضمير الذي يحكم الرياضة.
إن محنة اتحاد الخرطوم تكمن في جيلٍ من الإداريين ارتضى أن يبيع تاريخه وسمعة أنديته بدراهم معدودات.
لقد رأينا صورًا شتى للفساد، لكننا لم نر مثل هذا الذي يحدث الآن:
إداري يضحي بضميره من أجل مالٍ زائل، يصمت عن الحق، يقتل النخوة، ويخون الأمانة.
هذا هو مورد الهلاك: الولاء المادي لأصحاب المال على حساب القيم والأخلاق، حتى صار بعض الإداريين مجرد سلعة في “سوق الفساد”.
إن الرياضة تحكمها القوانين واللوائح، فإذا غاب احترامها، غابت العدالة، وانهارت المنافسة، وتحولت الرياضة إلى ساحة صراع بلا ضوابط.
لهذا، فإن مسؤولية الوسط الرياضي اليوم تتمثل في محاربة المجاملة والتطبيل، والوقوف بحزم أمام كل انحراف، والتمسك بالقانون مرجعية وحيدة، بعيدًا عن الأهواء.
واهلك العرب قالوا:
يا للشّقيّ القلب كم سامه توهّم النّعمة ما لا يطيق،
يريد أنْ يقنع أوهامه بأنّه ذاك الخليّ الطّليق.
ولعلنا نقول اليوم: العاطفة قد تخدعنا لحظة، لكن المنطق وحده يحفظ الكيان على المدى الطويل.
فلنجعل العقل ميزاننا، قبل أن نخسر الحقيقة باسم العاطفة، ونغرق في حكايات مزيفة، أشد ضررًا من لجنة تطبيع.
والله المستعان.
