وسط الرياح

التلميع عملة الفساد

عدد الزيارات: 21٬005

474أبو بكر الطيب

هناك مهن بسيطة، قد يراها المجتمع متواضعة، لكنها في حقيقتها مهن شريفة، يعتاش أصحابها من عرق جبينهم ويخدمون الناس بجهدهم. من بينها مهنة تلميع الأحذية؛ عمل لا يعيب صاحبه في شيء، وإنما يرفعه لأنه اختار أن يأكل من كد يده لا من ذل لسانه.

ولكن في المقابل، ظهر في وسطنا الرياضي ما هو أبشع وأقبح: ظاهرة تلميع الأشخاص. وهي ليست مهنة، ولكن يمكن تصنيفها بالرذيلة. إنه نفاق مقنّع، تملّق سافر، وبيع للمبادئ على ساحات الميادين ودور الأندية.

الملمّع لا يخدم المجتمع بتلميعه للأفراد ولا يرفع من قدر من يرفعه بتلميعه له، بقدر ما يرسّخ فساده ويعطيه شرعية زائفة.

من “الكرتجية” إلى “ماسحي الأحذية” بالمعنى المجازي
عرفناهم من قبل باسم الكرتجية: فئة تعيش على هامش الرياضة، لا مبدأ لهم إلا المصلحة، ولا قضية لهم إلا الجيب الممتلئ. يتصيدون الخلافات ليدخلوا في صف هذا الإداري أو ذاك التاجر، يبيعون أقلامهم وألسنتهم، ثم يستلمون الثمن في صمت مخزٍ.

لقد تحولت الرياضة السودانية إلى سوقٍ رائج لهؤلاء، حتى صار الولاء لمن يدفع لا لمن يخدم.

هؤلاء أخطر من الإداري الفاسد نفسه، لأنهم يصنعون له هالة كاذبة، ويزينون للناس باطله على أنه حق.

• الإداري يفسد حين يجد من يصفق له.
• والقانون يُخرق حين يسكت عنه الحاضرون.
• والمبادئ تموت حين يبيعها أصحاب الأقلام والوجوه “المزيّنة”.

هكذا لم يعد التزييف فعلًا فرديًا، فقد أخذ شكل منظومة متكاملة، أساسها “الملمّعون”.
أين شرف هؤلاء الذين باعوا كرامتهم بدراهم معدودات؟ أين مروءتهم وقد استبدلوا الدفاع عن الحق بالتسبيح بحمد الفاسدين؟
على كل من لا يزال يحمل في قلبه ذرة ضمير أن يتعلم:
أن العمل الشريف، مهما كان متواضعًا، أرفع شأنًا من تلميع الفاسدين.
وأن الكرامة أغلى من المال، والمبدأ أثمن من أي منصب.
وأن الملمّع اليوم سيُمحى غدًا، بينما يبقى صاحب المبدأ شاهدًا على التاريخ.

وقبل الختام
إن مهنة تلميع الأحذية أكرم عند الله وعند الناس من مهنة تلميع الأشخاص. الأولى خدمةٌ حقيقية، والثانية خيانةٌ صريحة.
وما لم يُطرد “الكرتجية” من ساحات الرياضة السودانية، سيظل الفساد مرفوع الرأس، وستظل المبادئ مطموسة تحت بريقٍ زائف.

فلتكن رسالتنا واضحة:
لن ينهض اتحاد ولا نادٍ ما دام الملمّع أعلى صوتًا من المصلح.

واهلك العرب قالوا: “من عاش بلا مبدأ، مات بلا شرف”

فالمبدأ هو أساس كل عمران في المجتمع، ومن عاش بلا مبدأ مات بلا شرف.

والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..