وسط الرياح

اللجنة الأولمبية السودانية.. مسؤولية ضائعة وحقوق مهدرة

عدد الزيارات: 21٬004

474أبو بكر الطيب

إن الوسط الرياضي السوداني في أمسّ الحاجة إلى مؤسساته الرسمية لتقوم بدورها وتتحمل مسؤولياتها التاريخية، إلا أننا نجد أن اللجنة الأولمبية السودانية قد آثرت الغياب التام، وكأنها غير معنية بما يجري. إذ غابت عن القضايا المصيرية، وصمتت أمام التجاوزات القانونية، وتجاهلت ملفات الفساد، ولم تحرّك ساكنًا في وجه الانتهاكات التي طالت الأندية والاتحادات الرياضية. ثم فجأة تطل علينا ببيانات تهنئة في مناسبات دينية أو اجتماعية، وكأن دورها يقتصر على المجاملات لا غير.

إن هذا النهج يمثل تقصيرًا إداريًا وخللًا تنظيميًا، وتفريطًا كاملًا في المسؤولية، وترك الساحة الرياضية فريسة للفوضى. والأدهى أن اللجنة الأولمبية تتحمل المسؤولية المباشرة عن كل ما يعيشه الوسط الرياضي من أزمات، لأنها فشلت في إنشاء المحكمة الرياضية السودانية التي كان من الممكن أن تكون حائط الصد الأول في وجه الانتهاكات، والملاذ الآمن لكل نادٍ أو اتحاد يبحث عن العدالة.

غياب هذه المحكمة لم يفتح الباب فقط أمام تضارب القرارات والفوضى الإدارية، وإنما ألقى بالأندية والاتحادات السودانية في أتون معاناة حقيقية. فحين يفتقدون المرجعية الوطنية العادلة، يجدون أنفسهم مضطرين إلى طرق أبواب الفيفا ومحاكمها، حيث الكلفة المالية الباهظة، والدولارات التي تُثقل كاهلهم. كثير من القضايا التي تخص الأندية السودانية انتهت إلى الضياع، ليس لضعف الموقف القانوني، ولكن لأن هذه الأندية ببساطة لا تملك ثمن الدفاع عن حقوقها في المحاكم الدولية.

ولعل قضية نادي ود نباوي أبرز مثال على ذلك. فقد استطاع النادي، رغم هذه الظروف الاستثنائية، أن يتحمل التكلفة المادية الباهظة لمواصلة مساره القانوني والوصول بقضيته إلى الفيفا، يحدوه الأمل في أن يجد منبرًا عدليًا يعيد له حقوقه المشروعة الضائعة. وهو ما عجزت عنه أندية أخرى كثيرة، لم تتمكن حتى من رفع قضاياها أو الاستمرار فيها بسبب الأعباء الدولارية الثقيلة التي تتطلبها المحاكم الدولية. وهنا تتجلى المأساة: العدالة في الرياضة السودانية إنها متاحة فقط لمن يستطيع الدفع، بينما بقية الأندية تُجبر على الصمت والرضوخ وتستسلم لضياع قضاياها.

أما قضية اتحاد الجنينة، فقد كشفت الوجه الآخر لهذه الأزمة. فهي واحدة من أكبر القضايا التي واجهت الوسط الرياضي مؤخرًا، ولولا أن الاتحاد امتلك القدرة المالية لتغطية نفقات اللجوء إلى محاكم الفيفا، لضاعت القضية تمامًا، ولما تحقق أي إنصاف. وهذا بدوره يبرهن أن غياب المحكمة الرياضية السودانية جعل العدالة الرياضية سلعة لا يقدر عليها إلا أصحاب النفوذ والمال.

لقد باتت الساحة الرياضية غابة يتسيدها الأقوى، تفتقد لأدنى مقومات العدالة، وتعيش حالة من الانفلات لم تعرفها من قبل. القرارات تصدر بلا مرجعية، والنزاعات تتراكم بلا حل، والأندية تُسلب حقوقها ثم تُجبر على الصمت لأنها لا تملك تكلفة المواجهة. وفي ظل هذا المشهد العبثي، تخرج اللجنة الأولمبية لتوزع التهاني وكأنها حققت إنجازات، بينما الواقع يشي بانهيار شامل.

إن اللجنة الأولمبية السودانية مسؤولة مسؤولية كاملة عن هذا الخراب، ولا عذر لها في تبرير تقصيرها أو تزيينه. فهي المؤسسة التي كان يُفترض أن تحمي الرياضة من الانهيار، فإذا بها تكون شريكًا في كل ما حدث من فوضى وظلم. وإن لم تتحمل مسؤوليتها اليوم قبل الغد، فستظل وصمة عار في تاريخ الرياضة السودانية، وسيكتب التاريخ أنها أهدرت الفرصة، وفرّطت في الأمانة، وضيّعت حقوق أندية واتحادات بأكملها.

إن المطلوب ليس بيانات تهنئة ولا ظهورًا شكليًا في المناسبات، وإنما إصلاح حقيقي يبدأ بتحمل المسؤولية، وتأسيس محكمة رياضية وطنية تنهي معاناة الأندية وتحفظ حقوقها، وإعادة الاعتبار لمفهوم العدالة الرياضية. فبدون ذلك، ستبقى الرياضة السودانية أسيرة للفوضى، رهينة للقرارات الظالمة، مفقودة العدالة.

وأهلك العرب قالوا:
العدل هو الأساس ومن هدم العدل هدم نفسه ومن تحته.

وقالوا أيضًا:
أمّنتك عواطفي وخنت الأمانة
حطمت في دقيقة أحلامنا ومنانا

والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..