الأولمبية السودانية
أبو بكر الطيب
صمت القبور واحتكار المنافع
في الحلقة الأولى تحدثنا عن مسؤولية اللجنة الأولمبية السودانية الضائعة وحقوق الرياضيين المهدرة، واليوم نواصل كشف المستور عن مؤسسة اختارت أن تسكن صمت القبور، وتترك الوسط الرياضي يغرق في صراعاته دون أن تحرك ساكنًا.
الأولمبية حكرٌ على قلة
أولت على نفسها أن لا يدخلها عليكم اليوم مسكين، فهي ملك حر تتداوله تلك الفئة بعيدًا عن أعين المتربصين والحسّاد. وأغرب ما في الأمر أنهم جميعًا متفقون على هذا المبدأ: الابتعاد عن الأنظار والاستئثار بالمنافع لوحدهم. حتى الإعلام لا يحوم حولهم ولا يعلم من أمرهم شيئًا.
ما يحدث اليوم لا يخفى على أحد: إن اللجنة الأولمبية السودانية تحولت إلى كيان مغلق تدور مناصبه بين مجموعة محدودة، تتناوب المقاعد فيما بينها، بين مجلس ومعارضة، لا فرق إلا في تبادل الأدوار. أما الشارع الرياضي وأنديته واتحاداته، فقد تُرك لمعارك انتخابية شرسة، لا تجد فيها للجنة الأولمبية أثرًا أو موقفًا.
امتيازات بلا أثر
مشاركات دولية غالبًا ما يمثلها أفراد وبعثات مصغرة ومدعمة بأعضاء الأولمبية، تنطلق وتعود على مدار العام، حتى دون أن يعلم بها الوسط الرياضي.
والمؤسف أن اللجنة الأولمبية السودانية تنعم بامتيازات ومخصصات من اللجنة الأولمبية الدولية، لكن هذه الموارد لا تنعكس على أرض السودان، فلا مشروعات تطويرية، ولا برامج مستدامة، ولا حتى محكمة رياضية وطنية تحمي المظلومين. كل ما نراه: مؤتمرات شكلية وبيانات تهنئة، وكأن الرياضة السودانية لا تحتاج سوى المجاملات.
صمت يساوي التواطؤ
وهذا ليس اتهامًا، وإنما واقع نعيشه الآن. والدليل ظهور رئيس اللجنة الأولمبية أحمد أبو القاسم في صورة تجمعه برئيس الاتحاد العام السوداني، بمناسبة مباركتهم للجنة التطبيع المعيّنة لاتحاد الخرطوم من قبل رئيس اللجنة القانونية بالاتحاد العام.
ليكون هذا الخبر وتلك الصورة دليل إثبات بأن تعيين هذه اللجنة مستمد شرعيته من اللجنة الأولمبية. فكان من الواجب أن نسمع صوت اللجنة الأولمبية وأن تقول كلمتها، أو على الأقل تنفي عنها مثل هذا الفعل الشائن. لكنها آثرت صمت التواطؤ.
هذا الصمت القاتل لا يُفسَّر إلا بأنه تواطؤ لحماية المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة. فحين تغيب القيادة وتُحتكر المنافع، يصبح الفشل حتميًا والانهيار واقعًا.
ولأن الصمت لم يعد مجرد غياب، وإنما صار سياسة ممنهجة تتستر خلفها اللجنة الأولمبية السودانية، فإننا في الحلقة الثالثة سنكشف الوجه الآخر لهذا الصمت، تحت شعار يلخص واقعهم: “قوقي وألبد”… أصوات نسمعها في المناسبات، لكن لا نراها عند ساعة الحقيقة.
وأهلك العرب قالوا:
“إذا سكت أهل الحق عن الباطل، ظنّ أهل الباطل أنهم على حق.”
وهذا بالضبط ما يحدث في الأولمبية السودانية: صمت مطبق، واحتكار للمصالح، وغياب لأي دور حقيقي.
إن لم يُكسر هذا الصمت، فستبقى الأولمبية السودانية شاهد زور على خراب الرياضة، بدلًا من أن تكون حارسها الأمين.
والله المستعان.
:

