وسط الرياح

التطبيع إهانة للوائح والتاريخ

عدد الزيارات: 21٬008

474

أبو بكر الطيب

في مشهدٍ لا يخلو من العبث والتخبط، خرجت لجنة التطبيع لإتحاد الخرطوم لتُحاضر الأندية في احترام اللوائح والشرعية. وفي ذات الوقت، برز أحد الموالين للاتحاد العام، مؤكداً أن خطاب لجنة أوضاع اللاعبين مجرد مذكرة داخلية لا قيمة لها إلا إذا اعتمدها الأمين العام للاتحاد السوداني لكرة القدم. وهو قول منطقي وقانوني صحيح، يعكس التدرج الإداري المنصوص عليه في النظام الأساسي للاتحاد.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: إذا كان هذا هو المبدأ، فكيف قبلتم أن تُعيَّنوا أنتم – لجنة التطبيع – بقرار صادر من لجنة قانونية ناقصة التكوين، لم يمر عبر الأمانة العامة، ولا يملك أي قيمة تنفيذية؟ كيف تسكتون عن أصل شرعيتكم الذي يفتقر إلى الأساس الذي تتمسكون به عند مخاطبة الآخرين؟
والأدهى من ذلك، أن الاتحاد العام نفسه بات يُصدِر عبر لجان ناقصة توصيات ومذكرات لا تملك أي صفة الإلزام، ثم يتركها لتُحدث بلبلة بين الأندية وكأنها قرارات رسمية. أي عبث هذا؟ وأي احترام للأنظمة واللوائح يمكن أن يُبنى على لجان غير مكتملة لم يتم تعيين أعضائها حتى الآن؟
ثم، كيف لشخصيات لها تاريخ طويل في الإدارة الرياضية أن تُزجّ في لجنة وُلدت من خطاب داخلي لا يسنده قانون ولا يقرّه نظام؟ أليس في ذلك عبث بمقامكم؟ أليس في ذلك إهانة لتاريخكم؟ وهل أصبح تاريخكم وخبرتكم مجرد ورقة في مذكرة بلا توقيع رسمي ولا سند إداري أو قانوني؟
ألم يكن الأجدر بكم أن تسألوا أنفسكم: بأي منطق نقبل هذا التعيين؟ وبأي وجه نقف أمام الأندية لنتحدث عن اللوائح ونحن أول من دهسها تحت أقدامنا؟ أليس من المخجل أن نُصبح “شهود زور” على شرعية لا وجود لها؟
إن قبولكم بهذا التعيين لم يُسقط فقط شرعيتكم، وإنما أسقط عنكم ما تبقى من احترام الذات. أنتم تعلمون أن الشرعية لا تأتي بالترضيات ولا بالصفقات، وإنما باللوائح والنظم، ومع ذلك ارتضيتم الدخول من الباب الخلفي، بلا سند ولا مرجعية، وكأنكم كنتم تنتظرون أي منصب، حتى لو كان ثمنه تاريخكم كله.
والسؤال الأكثر إيلاماً: إذا كانت الجهة التي عينتكم لم تحترمكم ولم تُقدّر خبراتكم، فهل كان عليكم أن تُكملوا الإهانة بأنفسكم وتقبلوا؟ أليس للمرء أن يضع نفسه في المقام الذي يليق به؟ فمن ارتضى القبول بمذلة، فلا يلومنّ إلا نفسه حين يُعامل بقدر تلك المذلة.
ثم بأي حق تقف لجنة التطبيع اليوم لتعظ الأندية في احترام القوانين؟ وبأي وجه يتحدث الاتحاد العام عن الشرعية، وهو أوّل من يفرغ قراراته من أي قيمة قانونية؟ ألا ينطبق على الحال كليهما قول العرب: غير تقي يأمر الناس بالتقى، وطبيب يداوي الناس وهو سقيم؟

لقد وضعتم أنفسكم في عنق الزجاجة، وأسئلتنا هذه لن تغادر رؤوسكم:

• هل أصبح تاريخكم وخبرتكم مجرد ورقة في مذكرة داخلية؟
• هل تنتظرون شرعية من خطاب بلا توقيع ولا تصديق من الأمانة العامة؟
• هل انخدعتم بمنصبٍ يعلم الجميع أنه لا يقوم على أي سند قانوني؟
• كيف تطالبون الأندية بما لم تطبقوه على أنفسكم أولاً؟
• وكيف تسمحون أن تُستعمل أسماؤكم في مسرحية هزيلة بلا قواعد ولا احترام للأنظمة؟
• وأين هو الاتحاد العام من كل هذا العبث؟ أليس هو من سمح وأدار هذه الفوضى؟

إنها أسئلة ستبقى تلاحقكم، لأن الإجابة عنها لا تُحرجكم فحسب، وإنما تُسقطكم من أعين الشارع الرياضي الذي كان يظن أن لتجاربكم وزناً ولقاماتكم مقاماً.

أهلك العرب قالوا :

وغيرُ تَقِيٍّ يأمر الناسَ بالتُّقى
طبيبٌ يداوي الناسَ وهو سقيمُ
ابدأ بنفسك فانهَها عن غيِّها
فإن انتهتْ فأنتَ الحكيمُ
لا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتي مثلَهُ
عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ

والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..