وسط الرياح

لوزان تفجر البركان

عدد الزيارات: 21٬003

474أبو بكر الطيب

في خطوة وُصفت بالزلزال القانوني، وجّهت محكمة التحكيم الرياضية بلوزان (CAS) ضربة موجعة جديدة للاتحاد السوداني لكرة القدم، بعدما قبلت شكوى اتحاد الجنينة ضد القرار الذي أصدره الاتحاد العام بعدم الاعتراف بجمعياته العمومية الأخيرة. هذا القبول، وإن كان أوليًا، إلا أنه يفتح أبواب الجحيم أمام اتحاد الكرة المترنح، ويمثل بداية سلسلة من الانهيارات القانونية التي قد تنتهي بعزله وتعيين لجنة تطبيع جديدة له.

الشرعية في مواجهة التعسف

اتحاد الجنينة، الذي تعامل بحكمة وهدوء مع كل ما صدر ضده من قرارات تعسفية، لجأ إلى كاس وأثبت مرة بعد أخرى أن لغة القانون وحدها قادرة على إسكات محاولات التلاعب والهيمنة. بقبول الطعن الأخير، باتت شرعية اتحاد الجنينة حقيقة قانونية لا يستطيع الاتحاد العام تجاوزها أو إنكارها. كل ذلك مسألة وقت. وإذا ما أضيفت هذه القضية إلى القضايا الأخرى المرفوعة من ود نوباوي، والدويم، وحي العرب وأندية أخرى متضررة، فإننا أمام كرة ثلج قانونية تتدحرج بسرعة وتكبر حتى تُسقط صرح الاتحاد من جذوره.

لوزان ومشهد قانوني يثير الرعب

قبول كاس للقضية لا يعني سوى شيء واحد: وجود شبهة مخالفة صريحة تستحق المداولة. وبالقياس على قضايا مشابهة حكمت فيها كاس ضد اتحادات وطنية أخرى، فإن فرص الاتحاد السوداني في النجاة شبه معدومة. ولنا في ذلك أمثلة عديدة:
في 2019 حكمت كاس لصالح نادي الزمالك المصري في قضية قيد اللاعبين ضد الاتحاد المصري لكرة القدم.
في 2020 عاقبت كاس الاتحاد الكيني بسبب مخالفات انتخابية، وأدى ذلك إلى تدخل الفيفا وتجميد نشاطه.
في 2021 أطاحت كاس بشرعية انتخابات الاتحاد النيجيري بعد طعن تقدمت به أندية محلية.
في 2022 أبطلت كاس قرارات الاتحاد التشادي وأجبرت الفيفا على تعيين لجنة انتقالية.

وعلى خطى هذه السوابق، يقف الاتحاد السوداني محاصرًا بخمس قضايا كبرى:

اتحاد الجنينة – شرعية الجمعيات العمومية.

ود نوباوي – هبوط إداري غير قانوني.

الدويم – مظالم تتعلق بالمنافسات.

حي العرب بورتسودان – قضية مصيرية تخص فريقًا جماهيريًا تم إقصاؤه دون وجه حق.

قضايا أخرى متوقعة من الأهلي شندي وأندية متضررة من قرارات الاتحاد.

هذه القضايا تمثل قنابل موقوتة ستنفجر تباعًا في وجه الاتحاد، وتفتح الباب واسعًا أمام الفيفا للتدخل بعزل هذه الإدارة المتهالكة وتعيين لجنة تطبيع جديدة.

لجان بلا نصاب وقرارات باطلة

الطامة الكبرى أن الاتحاد لم يكتف بقراراته الجائرة ضد الجنينة وحي العرب وود نوباوي، وإنما ارتكب أخطاء تنظيمية فادحة. فقد أنشأ لجانًا مساعدة، واكتفى بتعيين رؤسائها دون اكتمال نصابها، ثم سمح لهذه اللجان بمباشرة مهامها وإصدار قرارات مصيرية، كما حدث في اللجنة القانونية ولجنة شؤون الأعضاء. هذه الممارسات لا تصمد أمام أي مراجعة قضائية، وتُعد باطلة شكلًا وموضوعًا. وحين تُعرض هذه التصرفات على محكمة كاس، فلن يكون صعبًا إقناع القضاة بأن الاتحاد السوداني بات يُدار بمزاجية وارتجال، بعيدًا عن الأطر القانونية والمؤسسية.

فاتورة السقوط

الأمر لا يتوقف عند سقوط الشرعية أو تكليف لجنة تطبيع، ولكنه يمتد إلى فاتورة مالية باهظة ستدفعها الخزينة المنهكة للاتحاد. وبناءً على سوابق قضائية مماثلة حكمت فيها كاس:
قد يحصل اتحاد الجنينة على تعويضات تتجاوز 700 ألف دولار نظير القرارات التعسفية التي واجهها.
بينما تصل تعويضات ود نوباوي وحي العرب بورتسودان إلى ما بين 400 – 600 ألف دولار لكل منهما، باعتبار أن الخسائر هنا تتعلق بالهبوط والإقصاء من المنافسات.
أما قضية الدويم والأندية الأخرى المتضررة، فقد تُلزم الاتحاد بدفع ما لا يقل عن 200 – 300 ألف دولار لكل منها.

وبجمع هذه المبالغ، فإن الاتحاد السوداني مهدد بخسارة ما لا يقل عن 2000000 مليون دولار (أي ما يعادل أكثر من مليارات الجنيه السوداني بالأسعار الحالية) — وهو رقم كفيل بجرجرته إلى الإفلاس والانهيار المالي الكامل.

النهاية المحتومة

إنها مسألة وقت فقط قبل أن ينهار هذا الاتحاد تحت ضربات كاس المتلاحقة. فالمشهد الحالي يُشبه حصارًا محكمًا: قضايا متعددة، مخالفات صارخة، خسائر مالية متوقعة، وتهاوي ما تبقى من شرعية.

إن البركان الذي أشعلته محكمة لوزان لن يهدأ إلا برحيل هذه الإدارة وبزوغ فجر جديد في كرة القدم السودانية، حيث لا مكان للتلاعب بالقوانين ولا مجال لتمديد البقاء في الكراسي على حساب المصلحة الوطنية.

وأهلك ألعرب قالوا:

إن السعيد من وُعِظ بغيره، ومن لم يعتبر الذي بنفسه يلقى نكال غيره.

والله المستعان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..