الهرم المائل والانفصام
الحديث عن فساد المنظومة الرياضية يبدأ من القمة. فقد ضرب الاتحاد العام السوداني لكرة القدم عرض الحائط بالنظام الأساسي واللوائح المنظمة، حين لجأ إلى قرارات استثنائية بتصعيد سبعة أندية دفعة واحدة، دون أي سند قانوني أو قرار جمعية عمومية.
في المقابل، هبطت أندية مثل ود نباوي وتوتي والزومة وأهلي شندي ومريخ نيالا وحي العرب بورتسودان بذات الظروف التي صعدت بها تلك الأندية! أي انفصام هذا بين ما يرفعونه من شعارات وما يمارسونه من قرارات؟
وبرر الاتحاد ذلك بالظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، لكن هذه المبررات لم تكن سوى ستار دخاني لتغليب الانتقائية وتطبيق سياسة الجزرة والعصا. استغلال صارخ للثغرات القانونية، وترعرع في غياب المحاسبة. فالمحصلة واحدة: عدالة غائبة، تكافؤ فرص منهار، وجمعيات عمومية شرعية جرى التنكر لها بلا خجل، وما قضية اتحاد الجنينة أو جمعية نادي ود نباوي عنا ببعيدة.
اتحاد الخرطوم.. المسرح الأكبر لتصفية الحسابات
إذا كان الاتحاد العام قد أرسى الانفصام، فإن اتحاد الخرطوم المحلي ولجنة تطبيعه جسّدت إعادة إنتاج الفوضى بكل تفاصيلها. لجنة تطبيع بلا شرعية انتخابية ارتدت أثواب القيادة، لكنها لم تمتلك أدوات الحوكمة ولا أبجديات النزاهة. فصارت ساحة الاتحاد مسرحًا لتصفية حسابات، حيث الطعون يُبت فيها بمعايير مزدوجة، والأندية تُعامل بانتقائية فجّة.
لقد حمل الاتحاد المحلي نفسه فوق ما يطيق، فتشبه بمن يحاول ربط مكينة شاحنة عملاقة على تكتك ثلاثي العجلات، لا يقوى على جرّها ولا يحتمل ثقلها. صورة كاريكاتيرية لواقع عبثي، لا يقوم على القانون وإنما على الفكر الطفولي العابث الذي لا يرى أبعد من أنفه.
النهضة كريمة والشاطئ الأمدرماني.. التاريخ يعيد نفسه
قضية نادي النهضة كريمة اليوم ليست إلا نسخة مكررة من قضية نادي الشاطئ الأمدرماني بالأمس.
• في الحالتين: نادٍ تصدّر المنافسة.
• في الحالتين: اتحاد يعبث باللوائح.
• في الحالتين: تُهدر العدالة الرياضية بلا خجل.
إنه تاريخ يعيد نفسه، حيث تغيب المرجعية القانونية، وتغيب معها سيادة الجمعيات العمومية المستقلة، لنظل ندور في حلقة مفرغة من الظلم والعبث.
انعكاس العبث من القمة إلى القاعدة
الانفصام الذي بدأ من الاتحاد العام لم يتوقف عنده، وإنما انسابت عدواه إلى اتحادات محلية كاتحاد الدويم والخرطوم. والنتيجة: إعادة إنتاج للفوضى، وتوارث لثقافة التلاعب بالقوانين كأنها إرثٌ طبيعي.
وكما قال أهلك العرب:
“مشى الثعلب يومًا باختيال، فقلده أبناؤه في مشيته. فلما سُئل: علام تختالون؟ قالوا: أنت بدأت ونحن مقلدون.”
وهكذا الاتحاد العام هو الثعلب الأول، والاتحادات المحلية مجرد أشبال تقلده في عبثه.
وقبل الختام
نحن إذن أمام مستويين من الأزمة:
1. اتحاد عام يشرعن الفوضى ويؤسس للانفصام.
2. اتحادات محلية تعيد إنتاج هذا العبث على الأرض، في صورة أكثر ابتذالًا.
والحل لن يكون بمسكنات ظرفية، وإنما بفرض الشرعية القانونية وإعادة السلطة للجمعيات العمومية صاحبة الحق الأصيل. فغير ذلك لا يعدو أن يكون إضاعة وقت واستمرارًا للفكر الطفولي الذي قادنا إلى هذا الدرك.
وأهلك العرب قالوا :
كان في الحارة كلبٌ قد سلمنا من أذاه،
خلف الملعون جرواً جاءنا ألعن من أباه .
والله المستعان

