ويبقى المريخ شامخًا
أبو بكر الطيب
في كل موسم، من المواسم تتبدّل الأقدار، وتُعيد كرة القدم توزيع الفرح والحزن، ولكنّ هناك ما لا يتبدّل:
هيبة الكبار، ومجد التاريخ، وكرامة الكيان.
اليوم خرج المريخ من الدور التمهيدي للبطولة الأفريقية أمام لوبوبو الكونغولي، فظنّ البعض أن نهاية المريخ قد اقتربت.
لكنهم نسوا أن المريخ لا يُقاس بالمباريات ولا الخروج من البطولات وإنما يقاس بقرنٍ من الكبرياء والبطولات والمواقف.
إنها مرحلة بناء… لا مرحلة سقوط
والجميع يعلم أن المريخ يمرّ بمرحلة تأسيسٍ جديدة، أعاد فيها بناء فريقه وهيكله من الصفر:
جهاز فني جديد من الصفر ، ومجموعة من العناصر الشابة، مجلس تسيير حديث العهد لم يُكمل شهرين بعد، وفترة إعداد قصيرة لم تمنح اللاعبين فرصة الانسجام.
في مثل هذه الظروف، يكون الخروج شئ طبيعي من المنافسة وجزءًا من عملية النهوض، لا منحدرًا نحو النهاية.
إنها مرحلة صبر لا مرحلة عجز،
فالأبطال لا يولدون في أسابيع ، ولكنهم يُصنعون بالمعاناة والاختبارات.
ولذلك فإن خسارة اليوم هي بذرةُ مجدٍ قادم، لا نذيرُ انكسار.
المريخ… فخر السودان وأمجاد لا تُنسى
إن تاريخ المريخ لا يُمحى بصافرة حكم، ولا تُنقصه نتيجة مباراة.
هو أول من حمل راية السودان عاليًا في البطولات الأفريقية والعربية.
هو من دوّى اسمه في ملاعب القارة وكتب مجده في سماءها بطولات محمولة جوًّا، كؤوسٌ عادت بها الطائرات من بعيد، تهتف باسمه الجماهير من المحيط إلى الخليج.
من غير المريخ يا سادة صنع للأندية السودانية حضورًا في الساحة الدولية؟
من غيره نال الذهب العربي؟
ومن غيره ظلّ — رغم كل العثرات — فخر السودان بلا منازع؟
المريخ ليس ناديًا،عاديا وإنما هو مدرسة في العزيمة والروح.
تتبدّل الأجيال وتبقى الراية الحمراء عالية، كالنار في علمٍ على رأس الـجبال.
عنتر قتله أعمى… لكنه ظل عنتر
قد يُهزم المريخ أحيانًا، وقد تجرحه الظروف،
لكنّ الهزيمة لا تنزع عنه المجد، كما لم تنزع السهام عنترةً عن صهوة البطولة.
“قتله أعمى” كما تقول الأمثال، لكنه ظلّ عنتر بن شداد،
والذين يظنون أن سقوطه يعني نهايته، نسوا أن المارد لا يموت، وإنما ينهض حين ينام الآخرون.
أما أولئك الذين شمتوا، فليتذكروا هذا القول :
من شمت اليوم، شُمت به غدًا.
فالدهر دوّار، وكرة القدم لا تعرف الثبات، والشماتة سلاح الضعفاء الذين يخافون من عودة الأقوياء.
الرياضة أخلاق…
وإن كرة القدم، يا سادة، ليست ميدانًا للضغائن.
هي منافسةٌ بين كرامٍ يعرفون معنى الشرف الرياضي، لا ميدان شماتةٍ أو تهكّم.
فإذا سقط ممثل الوطن، وجب أن نحزن جميعًا، لا أن نفرح بخسارته.
لأن المريخ والهلال — مهما اشتدت الخصومة بينهما — وجهان لتاريخ كرةٍ واحدة، وراية وطنٍ واحد.
وقبل الختام :
المريخ لا يموت
وسيعود المريخ، كما يعود الفجر بعد الظلمة،
وسيسكت ضجيج الشماتة حين يُرفع الكأس من جديد.
فالتاريخ لا يكتبه المنتصرون في لحظة، ولكن الذين يصمدون قرنًا.
والمريخ صمد قرنًا، وسينتصر قرنًا آخر.
فليضحك الشامتون ما شاءوا…
فالمريخ باقٍ، والمجد له عنوان واحد: هو المريخ الأحمر الوهاج
وأهلك العرب قالوا:
“الكبير كبيرٌ وإن تعثّر، والضعيف ضعيفٌ وإن انتصر.
قد يُهزمُ السيفُ في يومٍ، لكنَّهُ لا يصدأُ،
وكذلكَ المريخُ، قد يخسرُ اليومَ، لكنَّهُ لا يُهزمُ أبدًا.
والله المستعان
