الرأي

ما قبل الانفصال.. ميلاد الاتحاد الفدرالي ومواقف الرجال

عدد الزيارات: 21٬010

18bc8c5c bacb 4dc0 8a88 572a908865fcد. عبد الكريم الهاشمي

في كل مرحلةٍ من مراحل التحوّل الكبرى، تتكشف المعادن، وتُختبر المواقف، ويُكتب التاريخ بمداد المخلصين لا المترددين.

تقف الساحة الرياضية على أعتاب ميلاد الاتحاد الفدرالي السوداني لكرة القدم، وتبدو الصورة أكثر وضوحًا من أي وقتٍ مضى، مشهدٌ تختلط فيه المواقف، ويعلو فيه صوت الضمير على همس المصالح، فيتبيّن من آمن بعدالة قضية الاتحادات الانتقالية، ومن آثر الصمت حين كان الموقف يستوجب قولا وفعلا وشجاعة.

إنّ التاريخ لا يرحم المتخاذلين، ولا ينسى النبلاء الذين اختاروا أن يكونوا في صف الحق مهما كانت كُلفتة. فالمواقف النبيلة لا تُقاس بعدد الأصوات في الاجتماعات، بل بما تتركه من أثرٍ في الوجدان الجمعي للجمهور الرياضي، وبما تصنعه من وعيٍ في وجدان الوطن.

*إلى رئيس الاتحاد العام…*
حين يكون القرار اختبارًا للمبدأ
سعادة الدكتور معتصم جعفر، إنّ صناعة المجد لا تحتاج إلى دهاءٍ إداري بقدر ما تحتاج إلى ثباتٍ على المبدأ، وجرأةٍ في القرار، وإيمانٍ بأنّ المناصب زائلة، بينما تبقى المواقف خالدة.
ليس من الحكمة أن تُدار كرة القدم بمنطق “الندرة” ندرة الاتحادات، وندرة الفرص، وندرة المشاركة فذلك منطق يضيّق أُفق الرياضة ويُحدّ من انتشارها.

أما منطق “الوفرة” فهو الذي يصنع النهضة، ويوسّع قاعدة الممارسة، ويفتح الأبواب أمام آلاف الشباب في كل ربوع السودان ليجدوا في الرياضة سبيلاً للحياة والانتماء والتميز.

إنّ التقدّم لا يتحقق بالتقليص بل بالتمكين، ولا بالتضييق بل بالانفتاح، وليس بإقصاء الاتحادات الانتقالية بل بدعمها وتطويرها، فهي التي تمثّل جذور اللعبة في الريف والمدن على السواء.

*محمد سليمان حلفا… موقف سيخلده التاريخ*

التحية والتقدير للأستاذ محمد سليمان حلفا، رئيس لجنة المسابقات، الرجل الذي لم يُبدّل ولم يساوم، بل ظلّ نصيرًا صادقًا لقضية الاتحادات الانتقالية.

لم يكن بيده القرار، لكن التاريخ لا يقيس الرجال بالأدوات، بل بالمواقف حين يقلّ الشرفاء. سيذكره الرياضيون، وستخلّد الذاكرة الرياضية اسمه لأنه قال كلمة الحق في زمنٍ صعب.

إن جماهير الرياضة تطمع أن ترى حلفا قائدا مستقبليا ملهما يعيد للرياضة وحدتها ومجدها، لما عُرف عنه من حكمة وصدق وحنكة، وإيمانٍ بأنّ الرياضة رسالة قبل أن تكون سلطة.

*الأستاذ متوكل الزنجي… حين يصمت الصوت الذي كان يصدح بالحق*

أين ذاك الصوت الذي دوّى يومًا في أثير الإذاعة السودانية عبر برنامج عالم الرياضة حين قال متوكل “الاتحادات الانتقالية أفضل من المحلية”؟

أين ذهبت تلك القناعة التي شهِدتَ بها على الملأ؟

كيف تصمت اليوم، والاتحادات التي أنصفتها بالأمس تُذبح أمامك بسكينٍ صدئة وربما بيدك؟
الاستاذ متوكل، إنّ الرجل يُعرف عند المواقف لا في الأحاديث، وتذكر أن المحكات الفاصلة لا تمنحك فرصة ثانية لاختيار موقف جديد.

أنت اليوم أمام امتحان وابتلاء لتاريخك. فإما أن تُكتب في سجل الشرفاء الذين وقفوا مع الحق، أو أن تُطوى صفحتك في سجل الصامتين الذين خذلوا ضمائرهم وجماهيرهم واكتفوا بالمناصب.

تذكر أنّ المقعد الذي كان سببا في صمتك وتغير موقفك لا يدوم، لكن الموقف الشريف هو وحده من يُخلّد الاسم. فلا تدع التاريخ يدوّن بجانب اسمك شيئا من الجبن والخذلان، ولا تجعل أهلك في الجزيرة أبا وفي كنانة يشعرون بالخزي من صمتك وموقف ألا شريف. إنّ الحقوق حين تُنتزع ولا تجد من يدافع عنها من أهل القانون والشرفاء، فذلك سيكون عارٌ لا يمحوه الزمن.

*إلى الشرفاء في مجلس الاتحاد والجمعية العمومية*

إنّ قضية الاتحادات الانتقالية ليست معركة كراسي أو حدود مناطق، بل معركة كرامة وعدالة وحقٍ في التمثيل.

إن بعض ضعاف النفوس أرادوا أن يجعلوا من الاتحاد العام أداة لتصفية حساباتهم، فكونوا أنتم السدّ المنيع في وجه العبث، واحموا ما تبقّى من مصداقية القرار الرياضي.

إن الرياضة لا تُبنى بالتهميش ولا بالتحامل، بل بالإنصاف والتكامل.

فالتقفوا حيث يكون الحق، حيث العدالة، حيث يتسع الأفق للجميع، لا حيث تضيق المساحة وتختنق الأحلام.

كونوا في صفّ الاتساع لا الانكماش، والتكامل لا الإقصاء، والعدالة لا الانتقاء.

لا تتركوا كرة القدم السودانية رهينةً لمصالح ضيقة ومكاسب مؤقتة لبعض اصحاب التصورات المعطوبة.

سيذكر التاريخ من وقف في صف الحقيقة، ومن أدار لها ظهره، وسيأتي يومٌ تُروى فيه هذه المرحلة لأجيالٍ لم تعاصرها فيتبينوا من دافع عن الحق، ومن خذله.

فاختاروا اليوم يا قادة الاتحاد موقعكم من التاريخ… قبل أن يختاركم التاريخ.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..