وسط الرياح

الرجوع في نفس الاتجاه

عدد الزيارات: 223

أبو بكر الطيب

أشد إيلاماً في كرة القدم من أن تجد الصفوة ناديها يبحث عن ملعبٍ خارج وطنه، وأن يعيش لاعبوه موسماً بلا منافسة، ومدربوه في انتظار ضوءٍ أخضر لا يأتي.
لكن وسط هذا الظلام، تبرز محاولات التسييرالجادة للبقاء في دائرة الضوء عبر خوض تجربة جديدة في الدوري الرواندي، بعد التجربة السابقة في موريتانيا التي أثارت كثيراً من الجدل الفني والإداري.
القرار من حيث الشكل يبدو اضطرارياً، لكن من حيث المضمون يمكن اعتباره حركة إنقاذ تحفظ للنادي توازنه الفني وتمنحه استمرارية المنافسة، ولو من باب المشاركة المؤقتة التي تقيه الجمود والانقطاع.
أولاً :— الإيجابيات –
حين يتحول الاضطرار إلى فُرصة
في ظل توقف النشاط الرياضي في السودان، فإن اللعب في دوري منتظم هو شريان حياة يضخّ لياقة وروح منافسة في جسد اللاعبين، ويمنح الجهاز الفني فرصة ثمينة لتجريب الخطط وتطوير الأداء دون ضغوط النتائج.
اختيار رواندا تحديداً يضيف بعداً آخر من الاستقرار التنظيمي والأمني، وهي ميزة نادرة في المنطقة حالياً، ناهيك عن أن الأعباء التشغيلية أقل مما كانت عليه في التجربة الموريتانية.
ثم إن المشاركة الشرفية – التي لا تُحتسب في الترتيب الرسمي – ليست بالضرورة ميزة كما يروّج البعض، فهي أشبه بمباريات ودية تُؤدّى داخل أجواء تنافسية لكنها خالية من ضغط النتيجة وأثر التصنيف، فلا تضيف للمريخ سوى الحفاظ على إيقاع اللعب والانسجام البدني.
بينما المستفيد الأكبر من هذه التجربة هم الفرق الرواندية نفسها، التي ستجد في مواجهة المريخ والهلال فرصة نادرة لاكتساب الخبرة والاحتكاك وتصحيح الأخطاء داخل منافساتها المحلية.

أما المريخ، فعائد مشاركته لا يتجاوز أن يُبقي لاعبيه في حالة تأهيل فني وتجانس بدني، وهو مكسب محدود لا يوازي حجم اسم النادي وتاريخه القاري.
وربما تكون الحسنة الوحيدة لهذه التجربة أنها فتحت الباب أمام الفريق الرديف ليحمل عبء المنافسة الحقيقية، ويُثبت أن المريخ قادر على صناعة جيلٍ ثانٍ من النجوم لا يقل موهبة عن الفريق الأول.
ثانياً: السلبيات –
غياب الرؤية الاستراتيجية
ولكن في المقابل، لا يمكن إغفال أن هذه الخطوة تظل ردّ فعلٍ على أزمة أكثر من كونها جزءا من خطة تطوير طويلة
فالبحث كل موسم عن “ملاذ خارجي” – مرة في موريتانيا وأخرى في رواندا – يعكس غياب البوصلة الاستراتيجية التي يفترض أن تضمن استقرار الفريق أينما كانت الأزمة.
كما أن ضعف التحدي الفني في الدوري الرواندي لا يُعد تحضيراً مثالياً لمنافسات قارية بحجم دوري الأبطال، فضلاً عن صعوبات السفر والإدارة البعيدة.
ثالثاً:
ما بين التجربتين
في التجربة الموريتانية، دخل المريخ بدافع التحدي، لكنه خرج مثقلاً بالنتائج السلبية والضغوط النفسية.
أما التجربة الرواندية، فهي مشاركة شرفية بوعي، تسعى لتفادي أخطاء الماضي عبر ضبط الإيقاع وترويض الطموح مؤقتاً، حتى تعود المنظومة كلها إلى أرض الوطن بروحٍ متجددة.

وقبل الختام

إن ما يفعله المريخ اليوم هو إدارة للأزمة بأقل الخسائر الممكنة، وربما يكون ذلك درساً في “فن البقاء” داخل كرة القدم الإفريقية.
غير أن البقاء وحده لا يكفي؛ فالتاريخ لا يخلّد من ينجو، ولكن يخلد من يصنع رؤية تنقله من الاضطرار إلى الاختيار الواعي.
وحين تستقر الأوضاع، سيذكر الجميع أن المريخ لم يتوقف يوماً،نعم وإنما قاوم الريح وواصل السير…

      وأهلك العرب قالوا :

القحة ولا صمة الخشم
و “ظل الحجر ولا ظل الشجر” و “إن غيمت باكر احمل عصاتك وسافر

    والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..