انهزام المستحيل.. فوز الجديان

أبو بكر الطيب
هذا هو السودان في صبره وعناده وكرامته، وقف صقور الجديان ليكتبوا واحدة من أعظم الملاحم الكروية في تاريخ الوطن.
لم تكن مباراة عادية…
ولا منافسة تُقاس ببطاقة عبور…
لقد كانت مواجهة بين إرادة وطن وقسوة ظروف لا يتحملها إلا من في عروقهم دمُّ السودان.
وأصالة السودانيين وغيرة أهل السودان وعنادهم.
دخل الجديان الميدان وهم يحملون على ظهورهم ما يكفي لإسقاط أعتى المنتخبات:
دوري متوقف، إعداد مضطرب، متأخرات مالية، شائعات مغرضة ومؤلمة، وضغطٌ نفسيٌّ لا يرحم. ولجنة منتخبات غير مسؤولة وهي في وادٍ والمنتخب يعاني.
كل شيء كان يقول إن الهزيمة قادمة… قطع شكٍّ،
لكن هناك شيئًا واحدًا كان أقوى من كل ذلك:
الغيرة على الشعار… والوفاء للوطن.
116 دقيقة… زمنٌ انكسر أمام إرادة الرجال وعزيمتهم.
منذ الدقيقة 22، حين طُرد جون مانو، بدا الطريق إلى الهزيمة مفتوحًا وممهَّدًا،
لكن الجديان — وبصلابة الأسود — قرروا شيئًا واحدًا:
أن المستحيل لابد أن يُهزم.
تأخروا بهدف…
لكنهم لم يتأخروا في الرد. ولم يتأخروا عن الموعد.
لعبوا ناقصين…
لكنهم كانوا مكتملين بالروح والرجولة.
انحازت الصافرة…
لكن العدالة عادت حين هتف القلب: لن نُهزم اليوم.
لقد حاصروا المستحيل… ثم أسقطوه.
القائد… بخيت خميس
عندما بدأ الحكم يميل، وقف رجلٌ واحد كأنه ميزان الحق نفسه.
لم يحتج من أجل بطاقة…
وإنما احتج ليحفظ كرامة منتخب يقاتل تحت ضيق الدنيا. ويمثل أمة لها تاريخٌ لا يُهزم.
أعاد للحكم وعيه، وللملعب عدالته، وللمنتخب حقَّه.
وكان في كل لحظة يُثبت أن القيادة ليست شارة وكبتنية،
وإنما موقف ورجولة. وحُسن تصرّف.
ولذلك نقولها بملء القلب:
شكرًا أيها القائد… فقد كنت صوت الوطن في الملعب.
السلاح… صلاح عادل
بعد الطرد والهدف، انكسرت آمال الكثيرين من الجماهير،
لكن كان في صفوف الجديان «سلاحٌ سودانيٌّ الصنع» اسمه صلاح عادل.
لا ماء يبلله… ولا ضغطًا يرهب روحه… ولا نقصًا يوقف اندفاعه.
كان مقاتلًا صلبًا،
وصانع لعب…
ومراوغًا ينساب كالماء…
ومُلهمًا يفتح الطريق كما لو كان يحمل وطنًا بين قدميه.
روّض الكرة كما يفعل زيدان،
ومكر كما يمكر نيمار،
ومرّر كما يمرّر إنييستا،
لكن بروحٍ سودانيةٍ لا تُقلَّد ولا تُكرَّر.
ذلك ليس أداءً…
ذلك وطنٌ يقاتل لينتصر.
لا تمرّد ولكنه الوفاء
أوجعتنا الإشاعات، وأساءت للرجال كلماتٌ لا تستند إلى أدنى فهم.
لكن الجديان أمس كانوا الردَّ الحاسم:
لو كانوا يبحثون عن مال…
لما أرهقوا أرواحهم 116 دقيقة.
ولو كانوا يتمردون…
لما قدّموا أعظم أداء في أصعب ظرف.
هذا الجيل لا يتمرّد…
هذا الجيل يحمل الوطن على كتفيه.
الجماهير… السند الذي لا يتعب
امتلأت المدرجات…
وصدحت الحناجر…
وتحوّلت المباراة إلى مهرجان عشقٍ سودانيٍّ خالص يشبه أصالة السودان.
الجمهور السوداني لا يشاهد…
إنه يقاتل بالغُنا والهتاف والدعم المتواصل.
وحين يغنّي السوداني… تنتصر الجديان.
من نصر رياضي… إلى نصر وطني بإذن الله
هذا التأهل هو فوز…
وهو بشارة خير،
ورسالة تقول إن من يهزم الظروف…
يهزم الخصم…
وينتصر في الميدان وفي غير الميدان وفي كل مكان. إنه السودان يا لبنان.
نسأل الله أن تتصل أفراح الجديان بانتصارات قواتنا المسلحة في الفاشر،
لتكتمل الصورة…
وتتعانق رايات النصر في الملعب والميدان.
شكرًا يا صقور الجديان،
شكرًا للقائد…
شكرًا للسلاح…
شكرًا للرجال الذين رفعوا رأس الوطن…
وأسقطوا المستحيل…
وكتبوا تاريخًا سيُحكى طويلًا.
وأهلك العرب قالوا…
نحنُ أُسودُ الوغى يومَ اللِّقا صَبْرٌ
لا نَنكَسِرْ… والردى مِن حولِنا يَحْمي
نَهوى المعالي وإن ضاقت بنا سُبُلٌ
حتى نُذِلَّ صُعابَ الدهرِ بالصَّمَمِ
وإن تَكَاثَفَ خَطبُ الدهرِ نُقسِمُهُ
حتى يرى الناسُ بأسًا غير مُنْهِزِمِ
والله المستعان
