علاقة الصفوة بالصندوق

أبو بكر الطيب
اللحظات المفصلية الكبرى في تاريخ المريخ، هي التي يصبح فيها الصندوق مساحة تُوضع فيها ورقة، ولا يصبح التصويت فيها فعلًا عابرًا عندما تتحول اللحظة إلى محكمة ضمير، يُحاسَب فيها كل من تقدّم وكل من صمت، وكل من حاول أن يصنع شرعية بلا أساس.
والصندوق في كل الأندية الكبيرة لا يكون وعاء أصوات، فهو ميزان عدل… إذا اعتدل، اعتدل معه النادي كله، وإذا مال، مال المريخ بكل تاريخه وجماهيره.
اليوم، وسط هذا الحراك الخفي، والتسريبات، والمبادرات غير المعلنة، يدور سؤال جوهري بين الصفوة:
هل البيئة اليوم صالحة لانتخابات حقيقية؟ أم أننا نعيد إنتاج الفوضى بأساليب جديدة؟
ولأن الصفوة — بطبيعتها — لا تتعامل بالعواطف، وتتعامل وفق المعايير، ظهرت ما نسميه الآن مطلوبات الصفوة… مطالب واضحة، عقلانية، تقف مع النادي لا مع الأشخاص.
وقد قال أبو العتاهية كلمة تلخص الحال بكامل دقته:
«لا يُصلِحُ الناسَ فوضى لا سَراةَ لهم
ولا سَراةَ إذا جُهّالُهُم سادوا»
فالبيئة الفوضوية تنتج قرارات فوضوية… والصندوق لا يستقيم إذا دخلته عضوية مختلّة، أو أشرفت عليه لجان غير محايدة، أو تحكمت فيه موازين معيبة.
ولهذا جاءت “مطلوبات الصفوة” بوصفها شروط الحياة قبل أن تكون شروط انتخابات:
١. عضوية مفتوحة بشفافية ورقابة مستقلة
حتى لا يتحول الصندوق إلى مشروع طرف واحد.
٢. نظام أساسي جديد بلا ثغرات
فالنظام الحالي أصبح مثل باب مخلوع… يدخل منه من يشاء ويخرج من يشاء.
٣. لجان عدلية محايدة
لأن الخصم لا يمكن أن يكون حكمًا في الوقت نفسه.
٤. جمعية عمومية تُبنى على عضوية نظيفة
لا عضوية صُنعت لتفصيل النتيجة مسبقًا.
٥. إدارة انتقالية محددة الصلاحيات
تمهّد للانتخابات ولا تستغل الفراغ.
وحتى يكون الاعتراض مقبولًا… يجب أن يكون الاعتراض فاعلًا.
هنا مربط الفرس.
لقد اعتاد جمهور المريخ — مثل كثير من جماهير الأندية الكبيرة — أن يعبر عن غضبه في القروبات، وأن يكتب بيانات تشبه بيانات الأمين العام للأمم المتحدة:
ممتلئة بالاستنكار… قليلة الأثر.
والحقيقة أن زمن الاكتفاء بالشجب والرفض قد انتهى.
فالاعتراض لا قيمة له إذا لم يتحول إلى مشاركة،
والغضب لا معنى له إذا لم يظهر في الجمعية العمومية،
والحديث عن الشرعية يصبح بلا وزن إذا لم يُترجم إلى صوت يُوضَع في الصندوق.
إن الصفوة — إذا أرادت أن تُحترم كلمتها — يجب أن تضع يدها على مقود النادي لا على لوحة المفاتيح فقط.
فلا أحد سيصغي لاعتراضات لا تقترن بالفعل… ولا أحد سيحترم غضبًا لا يصل إلى صناديق الاقتراع.
وهنا تتجلى حكمة ابن حزم حين قال:
«إنَّ الفسادَ إذا غشَّ القضاءَ مضى
في كلِّ أرضٍ، فعمَّ الجورُ أرجاءَها»
فالفساد لا يقف عند شخص أو لجنة، وإنما ينتشر، ويطفو، ويعمّ النادي إن تُرك بلا مواجهة.
وأهلك العرب قالوا…
الميزان العادل… يطمئن الناسُ إليه ولو خسروا
إذا استقامَتْ قناةُ الحقِّ معتدلةً
لم يلتَفِتْ الناسُ نحو الجورِ إنْ وُضِعا
والله المستعان.
