سنواتُ الجهل الإداري…

أبو بكر الطيب
انتهاء دورة الباطل بردّ الحقوق إلى نصابها وتصحيح المسار الخاطيء
إن أزمة اتحاد الخرطوم لكرة القدم لم تكن قائمة على أخطاء تحتمل التجاوز أو هفوات تنظيمية، غير أنها كانت سنوات متراكمة من الجهل الإداري؛ جهلٌ تمدّد حتى صار مفهومًا يُدار به الاتحاد، وسمة مميزة له، ومناخًا يفسد القرارات، وسلوكًا يلتف على القانون دون خجل أو اعتبار.
فَسَنَّ السنن السيئة وسار عليها
في تلك السنوات، اختُزلت المؤسسية في الأشخاص، وتحولت الصلاحيات إلى نفوذ، وأصبح القانون يُستحضر عندما يخدم الأهواء… ويُهمل ويُهدم عندما يردع أصحابها. كانت الفوضى تكبر كل يوم، والحقوق تُهدر تباعًا، والمشهد يزداد سوءًا… إلى أن جاء اليوم الذي ارتفعت فيه كلمة المحكمة فوق كل ضوضاء.
1) البدايات… حين يُدار الاتحاد بمنطق “نفعل ما نريد”
بدأ الانحراف عندما ظنّت لجنة التطبيع أنها سلطة فوق القانون.
رفعت قرارات بلا سند، أهملت أحكام القضاء، وخلقت صراعًا مفتعلًا مع كل من يطالب بتطبيق اللوائح.
ومع الوقت، أصبح الافتراء منهجًا، والتعسّف ممارسة يومية، وكأن الاتحاد إقطاعية خاصة لا مؤسسة تتبعها أندية وحقوق وتاريخ.
ومع كل اعتراض قانوني، كانوا يردون بصوت عالٍ بلا حجة، وبخطاب خالٍ من المنطق، محاولين تصوير كل مطالبة بالحق على أنها خصومة شخصية أو أجندة مخفية.
2) ملف أندية الخرطوم… عندما بلغ الجهل قمته
ثم جاءت أزمة ودنباوي والزومة وتوتي لتكشف جوهر المشكلة:
كان الواجب الأخلاقي والمهني أن تقف لجنة التطبيع — ممثّلة لاتحاد الخرطوم — مع أنديتها، تحميها، تدافع عنها، وتتبنى موقفًا حازمًا تجاه الاتحاد السوداني إن لزم الأمر.
كان عليها أن تقول: “هذه أنديتنا… وهذه حقوقها.”
لكن ذلك لم يحدث.
اختارت اللجنة الصمت أولًا، ثم التبرير، ثم الانحياز لقرارات فوقية لا تمثل الخرطوم ولا تعبر عن مصالح أنديتها.
انشغلت اللجنة بإرضاء الاتحاد العام بدلًا من إرضاء ضميرها المهني.
وتركت الأندية وحدها في مواجهة ظلم إداري بيّن… بينما كان صوت العدالة يُستبدل بضجيج المناورة.
3) سلسلة أخطاء لا تخطئها العين
طوال السنوات الماضية، توالت مظاهر الانحراف:
• قرارات بلا صلاحيات
• تكوينات باطلة
• ازدراء متكرر لأحكام القضاء
• تدخلات غير قانونية من الاتحاد العام
• ظلم بيّن لعدد من الأندية
• تسييس واضح للمشهد الرياضي
• محاولات شراء الزمن وإغراق المحاكم بالطعون
ومع كل هذه الأخطاء، لم تُظهر اللجنة يومًا شجاعة الاعتراف، ولكنها ظلّت تغطي العيوب بحجج أوهى من خيط العنكبوت.
4) لقد كانت معركة صبر ووعي لا صراع ولا ضوضاء
ورغم كل هذا، كان الرد على النقيض تمامًا:
لا ضجيج…
لا هجوم شخصي…
لا ألفاظ ولا تسريبات…
كان بوعي قانوني رصين:
طعون دقيقة، استئنافات محكمة، احترام كامل لإجراءات العدالة، وصبر طويل على المماطلات.
حتى أصبحت مناهضتنا درسًا في الفرق بين من يدير صراعًا بمنطق القانون ومن يديره بمنطق الذات.
ومع كل خطوة، كان الحق يزداد وضوحًا… وكان الباطل يتآكل من داخله دون أن يشعر.
5) الحكم الذي وضع النهاية… وردّ الحقوق إلى نصابها
وجاء اليوم الذي قالت فيه المحكمة القومية العليا كلمتها الفصل:
تأييد قرار وزير الرياضة رقم (50)،
رفض كل الطعون وما معها،
واعتبار لجنة التطبيع باطلة منذ 19/10/2022.
حكم واضح… قاطع… لا يحتمل التأويل.
حكم أعاد الأمور إلى نصابها، وأسقط آخر أوراق المراوغة، وفتح الباب لإكمال بقية الملفات المنظورة.
والقادم — كما تعلم — يحمل الكثير من المفاجآت القانونية التي ستكشف حجم ما ارتُكب في حق الأندية والمؤسسة معًا.
اليوم انتهت مرحلة، وغدًا تبدأ مرحلة أخرى.
مرحلة يُحاسَب فيها كل من أساء، وكل من تجاوز، وكل من ظنّ أن صمت العدالة ضعف… أو أن طول بال القانون تهاون.
وأهلك العرب قالوا…
“إذا خاصمتَ فاعقل؛ وإذا قوِيتَ فاعدِل… فإن الظلم مرتعه وخيم.”
وقالوا:
“يدُ الحقّ لا تُغلب وإن طال الأمد.”
وقالوا:
“وما للظلمِ من سلطانِ حقٍّ…
وما للحقِّ من سلطانِ زولِ.”
والله المستعان.
