وسط الرياح

النزاهة خصمًا

عدد الزيارات: 15
474

أبو بكر الطيب

من المفارقات العجيبة التي لا تحدث في أي مكان في العالم إلا عندنا في السودان أن يصبح الحكم خصمًا، وتُصنع السوابق على مقاس الأشخاص.

فقد كان من المفترض أن تعيد لجنة التطبيع شيئًا من الثقة المفقودة، إذ بها تفعل ما يعاكس وظيفتها تمامًا، وتتخذ واحدًا من أسوأ قراراتها منذ يومها الأول.

قرار تكوين لجنة تسيير لنادي النيل الخرطوم جاء مستعجلًا ومُعيبًا، وُلد من وشاية، ونما على معلومة سماعية، وخرج إلى العلن بلا مستند، بلا تحقيق، وبلا مرجع قانوني يمكن أن يطمئن إليه عاقل.

ولكن الغريب والمريب أن اللجنة لم تكتفِ ببناء قرارها على الوشاية، وإنما ذهبت إلى أبعد نقطة في العبث الإداري: اختارت نفس الواشي رئيسًا للجنة التسيير! أي عقل رياضي يقبل بهذا؟ وأي لجنة تطبيع تظن أن الوسط الرياضي فاقد البصر والبصيرة إلى هذا الحد؟ كيف يصبح صاحب الوشاية صاحب القرار؟ وكيف يجمع الشخص نفسه بين “البلاغ” و“الجائزة”، بين “التضليل” و“المنصب”؟ نعرض الأمر على العقلاء في الوسط الرياضي: كيف للجنة جاءت لتعيد الانضباط أن تشرعن هذا النوع من الازدواجية؟ كيف تقبل أن يتحول عضوها — الذي يفترض فيه الحياد — إلى رئيس لنادٍ يخضع أصلًا لسلطتها؟ أين الحياد؟ أين النزاهة؟ أين الشفافية؟ ثم نأتي إلى جوهر القضية: لماذا لم تحوّل لجنة التطبيع صاحب الوشاية إلى لجنة الانضباط للتحقيق والمساءلة؟ وأين موقف مجلس إدارة نادي النيل من محاسبة هذا العضو، وهو ما يزال عضوا بنادي النيل لماذا لم تجمد عضويته حتى الآن ولم يحول إلى لجنة الانضباط


إن العضو المؤتمن على حماية حقوق النادي، إن ثبت تلاعبه، يجب أن يكون أول من يُساءل، لا أول من يُرقّى! لكن الأخطر من كل هذا… أن ما يجري الآن ليس تصرفًا عابرًا ولا اجتهادًا غير موفق، وإنما أمر يشير بكل وضوح إلى عمل مُمنهج لصناعة سابقة إدارية يُراد لها أن تُستخدم لاحقًا في النظام الأساسي الجديد. لجنة التطبيع فعلتها من قبل عندما سمحت بعضوية نادي التعاون أن تجمع بين إدارة ناديها وعضوية اللجنة… واليوم تفعلها من جديد مع نادي النيل بصورة أوضح وأشد خطورة. فهل تهيئ اللجنة المسرح لمرحلة “شرعنة الجمع بين المنصبين”؟ هل تريد أن تمرّر مفهومًا جديدًا يصبح لاحقًا مادة مكتوبة في صلب النظام الأساسي، تجيز أن يكون الحكم خصمًا، والمنظّم مستفيدًا، والاتحاد متداخلًا في الأندية التي يشرف عليها؟ إن خلق “سوابق وهمية” عبر قرارات ارتجالية هو أخطر ما يمكن أن يهدد استقرار الرياضة. فما يُفعل اليوم تحت غطاء الاستثناء يُكتب غدًا في شكل مادة دائمة، ثم يتحول إلى قانون يقيد الرقاب لسنوات.


إن ما يحدث ليس معركة نادي النيل وحده، وإنما هي معركة الشرعية ضد التلاعب، والقانون ضد الاستسهال، والرياضة ضد من يريد أن يفصل لها دستورًا على مقاس أشخاص. والوسط الرياضي، بكل عقلائه وشرفائه، يدرك هذا الخطر… وسيسجله جيدًا.
وأهلك العرب قالوا:
إذا جار الأميرُ وحاجباهُ
وقاضي الأرض أجحف في القضاءِ
فويلٌ ثم ويلٌ ثم ويلٌ
لقاضي الأرض من قاضي السماءِ
والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..