مكتوب الجبين… لا بدّ تشوفو العين

أبو بكر الطيب
في الوسط الرياضي لا تحتاج الحقيقة إلى ميكروفون، ولا تحتاج العدالة إلى إعلان… يكفي فقط أن يتحرك الزمن خطوة واحدة إلى الأمام لتتكشف الخلائق كما هي، بلا زينة ولا رتوش. وما يجري اليوم داخل الاتحاد السوداني لكرة القدم ليس سوى الدليل الحي على أن كل ما يُكتب على الجبين… لا بد أن تراه العين، ولو بعد حين.
منذ اللحظة الأولى، حين بدأ الاتحاد العام يروّج لرواياته حول استئناف اتحاد الجنينة، كان واضحاً أن شيئاً ما يُطبَخ في الخفاء. تصريحات مطمئنة، وبيانات مرتّبة، وشهادات «على الطلب»، ومحاولات مستميتة لإقناع الرأي العام بأن محكمة كاس قد أقفلت الملف… لكن الوقائع لم تنتظر طويلاً لتضع النقاط على الحروف.
فأوامر محكمة التحكيم الرياضي الأخيرة جاءت كالصاعقة…
لا مجاملة، لا إغماض، ولا قبول لنظام «أخفي وأُنفى».
المحكمة طالبت الاتحاد السوداني بالترجمة الكاملة للمذكرات التي ظل يتهرب من تقديمها. طالبت بالمستندات، بمحضر أبو حمد، بالموجّهات التي قالوا إنها من الفيفا، وبكل ما ظنّ البعض أنه سيختفي بين الملفات أو يتوه بين الوزارات.
فإذا بكل ما حاولوا دفنه يظهر دفعة واحدة—واضحاً، فاضحاً، وقاطعاً.
ولم يقف المشهد هنا…
فالدكتور حسن برقو، رئيس اتحاد الجنينة، لم يكتفِ بالسداد الكامل لرسوم القضية، فقد زاد عليها التقدّم بخطوة أكثر جرأة: فتح بلاغات جنائية ضد كل من أدلى بشهادات مضللة أمام المحكمة. وهذه وحدها—في المشهد الرياضي السوداني—سابقة لم تحدث إلا نادراً، وتكشف حجم «اللعب خلف الستار» الذي مارسه بعض موظفي الاتحاد وبعض الاتحادات الموالية لمجموعة التغيير.
والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم:
لماذا اهتزّت تصريحات اتحاد الكرة في أول مواجهة قانونية حقيقية؟
ولماذا تهرّبوا من الترجمة؟
ولماذا اختفوا خلف شهادات «مفصّلة» ومذكرات ناقصة؟
ولماذا بدوا وكأنهم يخشون الضوء الذي سلّطته كاس على الملفات…؟
الجواب بسيط، تعرفه الشعوب قبل المحاكم:
لأن ما بُني على تضليل… يسقط بمجرد أن تقول العدالة: «هاتوا أوراقكم».
وفي متابعة هذا المشهد، لا بد من الربط بما يجري داخل الخرطوم نفسها…
فما حدث في نادي النيل هو الوجه الآخر للمشهد ذاته:
قرارات متعجلة، تكليفات بلا سند، وتدخلات ظاهرها التنظيم وباطنها المجاملة.
ولولا البيانات التي صدرت من النادي، وتحركاته القانونية الرصينة، لكانت الرواية الرسمية قد ابتلعت الحقيقة كما حاولت من قبل في قضية الجنينة.
لكن—مهما تعددت الأساليب، تتشابه النهايات.
فالخلائق لا تُخفى.
والأفعال لا تتنكر.
والتاريخ لا يُكتَب بما نريد، التاريخ يُكتب بما نفعل.
وقد أحسن زهير حين قال قبل أكثر من ألف عام كلمات كأنها كُتبت اليوم لا أمس:
ومهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ
وإن خالها تخفى على الناس تُعلَمِ
وهكذا، تثبت الأيام أن الحقيقة لا تموت، وأن المستور مهما طال زمنه… سيظهر كما هو، لا كما أرادوا أن يكون.
وأهل العرب قالوا:
الوجه لو اتغشّى بالألوان… المطر يخليه يظهر من تاني
والله المستعان.



