وسط الرياح

المشاركة والمكابرة… وغياب المحاسبة

عدد الزيارات: 8
ابو بكر 3

أبو بكر الطيب

لقد أسدلت البطولة العربية ستارها، وخرج منها منتخب السودان كما يخرج دائمًا في السنوات الأخيرة: بخُفّي حُنين، بلا أثر، بلا هوية، وبلا بصمة تستحق الذكر.

وكأن التاريخ العريق لواحد من أقدم منتخبات العرب وإفريقيا لم يعد أكثر من صفحة صفراء يطالعها الغير ليتعجب… كيف لمن يملك هذا الإرث أن يظهر بهذه الهشاشة؟
خرجنا من البطولة العربية في قطر، وقبلها خرجنا من بطولة الشان ، وقبلها من تصفيات كأس العالم، وكل خروج منها لا يشبه الآخر إلا في شيء واحد فقط:
أنه خروج محمّل بخيبة من العيار الثقيل، وممهور بتوقيع إدارة لا تعرف معنى الإعداد ولا قيمة المسؤولية.
1) المشاركة… للمشاركة فقط
منذ سنوات طويلة فقد المنتخب السوداني القدرة على تقديم مستوى يعكس اسم السودان أو يشبه تاريخه. ورغم الظروف القاسية التي تمر بها البلاد — من حرب وتشريد وضائقة اقتصادية — حاولنا أن نلتمس العذر للاعبين وللجهاز الفني وللمنتخب كله.
غير أن اتحاد الكرة نفسه رفض الاعتراف بالظروف، وأصرّ على أن السودان قادر على المشاركة، وقد واصل إرسال الخطابات إلى كل البطولات الممكنة كأنما هو يدير دولة مزدهرة لا ينقصها شيء.
والمحصلة؟
نتائج هزيلة، أداء باهت، وصورة مخجلة لا تشبه وطناً يفاخر بتاريخه الرياضي.
شاركنا في البطولات لا لنتنافس…وإنما لكي “نرسل رسالة للمجتمع الدولي”.
وكأن المنتخب أصبح وسيلة “إعلامية” أكثر من كونه فريق كرة قدم.
2) أين الإعداد؟… لا إعداد أصلا
حين تراجع أداء منتخب ما، يبحث الخبراء عادة عن مواطن الخلل:
هل المشكلة في المدرب؟ في اللاعبين؟ في التكتيك؟
أما عندنا فالمشكلة واضحة وجذرية: لا يوجد إعداد من الأساس.
لا ملاعب مؤهلة،
لا معسكرات مقننة،
لا إعداد بدني حديث،
لا تصوير وتحليل أداء،
لا تحليل منافسين،
وليس هناك أدنى شكل من أشكال التخطيط.
يخوض المنتخب مشاركاته وكأنه فريق “الجمعة” الذي يتجمع صباحاً للعب مباراة مساءً…
ثم نطالب الجمهور أن يذرف الدموع إذا خسر!
كيف؟ وبأي منطق؟
3) واللاعبون؟… يحمّلون ما لا طاقة لهم به
اللاعب السوداني — رغم ضعفه الفني أحياناً — هو أقل أطراف المنظومة ذنباً.
هو يأتي من أندية منهكة، بلا تأهيل، وبلا رعاية طبية، ويُستدعى إلى منتخب بلا خطة.
ثم يواجه منتخبات تُنفق عليها دولها من الألف إلى الياء.
تراه يقاتل بالحماس…
لكن الحماس لا يهزم نظاماً.
ولا يغلب علماً.
ولا يعوّض غياب الإعداد.
4) غياب المحاسبة… أصل البلاء
السؤال الذي يطرحه الشارع الرياضي اليوم — وبأعلى صوت — هو:
من يحاسب لجنة المنتخبات؟
والإجابة المؤلمة:
لا أحد.
فالبيئة الإدارية التي تحكم كرة القدم اليوم بلا أدوات رقابة، بلا لجان تقييم، بلا تقارير فنية، بلا محاسبة على الصرف، بلا مؤشرات نجاح أو فشل.
لذلك، لا غرابة أن يواصل المنتخب السقوط…
فمن لا يُحاسَب، لا يخاف السقوط.
5) إلى أين؟… وما الحل؟
قبل أن نفكر في “البطولة القادمة الكان في المغرب ما هي الرسالة التي نريد إيصالها للعالم، يجب أن نسأل:
هل لدينا منتخب أصلًا؟
هل لدينا خطة؟
هل لدينا بيئة تسمح بحد أدنى من التنافس؟
إن الإجابة — للأسف — لا.
والحل؟
حل واحد فقط لا غير:
تجميد المشاركات لمدة عام كامل، وبناء منتخب من الصفر.
لا نشارك إلا حين نملك:
منتخبًا مستقرًا،
إعدادًا حقيقيًا،
معسكرات منتظمة،
جهازًا فنيًا محترفًا،
ومعايير واضحة لاختيار اللاعبين.
غير ذلك…
سنظل ندور في نفس الحلقة المفرغة، وسنظل نكتب نفس المقال بعد كل بطولة.
هل يملك الاتحاد هذه الشجاعة ليقرر الانسحاب درأً للفضائح
6) كلمة أخيرة… للاتحاد ولجنة المنتخبات
كفاكم مكابرة.
كفاكم مشاركة من أجل الصورة.
كفاكم الهروب إلى الأمام.
هذه الجماهير التي احتشدت في البطولة العربية إنها تستحق منتخبًا تحترمه…
ولا تحتاج إلى من “يرفع علمه في المحافل” بالاسم فقط، بينما الواقع فضيحة في كل مباراة.

     واهلك العرب قالوا…:-

ليس كل من دخل ساحة القتال فارساً، ولا كل من لبس الدرع مقاتلاً.
وإنما الرجل … من يعرف قدر نفسه قبل أن يدخل الميدان مقاتلا

      والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..