الرأي

صافرة التحدّي… انتصرت الاتحادات الانتقالية لذاتها ولجماهيرها

عدد الزيارات: 8
412

د. عبد الكريم الهاشمي

لم يكن من نافلة القول أن نستعيد ذاك الظلم البيِّن الذي كابدته الاتحادات الانتقالية على يد الاتحاد العام، إثر قراره الحائر والجائر الذي أخرجها من دائرة المنافسة في الدوري المؤهل للممتاز، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين أسقط وجودها من منظومة الرياضة السودانية، متجاهلًا ذكرها في النظام الأساسي للاتحاد للعام 2025م، وكأنها كيانات عابرة لا جهد لها ولا تاريخ.

حاول الاتحاد العام، في خطوة مستغربة ومجافية للمنطق، أن يفرغ الاتحادات الانتقالية من محتواها الحقيقي، وأن يختزلها إلى مجرد “مناطق فرعية”، في محاولة بائسة ويائسة لتقزيم دورها ومحو حضورها. غير أن هذه السقطة التنظيمية ما كان لها أن تمر دون وقفة صلبة من الاتحادات الانتقالية، فهبّت الاتحادات الانتقالية من كل فجّ تعلن رفضها القاطع، وتصدح بشعار “لن نُقصى… لن نُلغى… ولن نكون توابع لأحد!”ومن رحم هذه المواجهة المحتدمة وُلد موقفٌ قانونيٌّ وأخلاقيٌّ صلب، تشكّلت على إثره كتلة الاتحادات الانتقالية التي نهضت نهوضاً مقتدراً، تنافح عن الحقوق، وتدافع عن شرف الاستقلالية وتناضل ضد القرار العدمي. حتى غدا صوتها مسموعًا، وموقفها راسخًا، وأضحى الاتحاد العام في مأزقٍ لا مناص من الاعتراف به.

ورغم هذا القرار الظالم والمتعسّف، لم تنكفئ الاتحادات الانتقالية على جراحها، ولم تتذرّع بالمحن، بل تحملت مسؤوليتها بجلد، ومضت إلى جماهيرها بصلابة ووفاء، فأطلقت صافرة دورياتها في أكثر من 18 اتحادًا والتي تضم ما يزيد على 500 نادٍ، متحديةً بذلك اليأس الذي صنعه قرار الاتحاد العام ومبدّدةً ظلال الإحباط الذي اصاب مجالس الاتحادات والادارات وجماهير الرياضة . وقد أحسنت الجماهير الوعي بالمشهد، فاحتشدت تساند اتحاداتها، إذ أدركت حجم التعدي الذي طالها، وتربص الاتحاد العام بنهضة الرياضة في مناطقها وقد أضر القرار الجائر بسمعة الاتحاد العام وهيبته لدى الشارع الرياضي.

إن إقصاء الاتحادات الانتقالية كان صفعةً قاسيةً للجماهير الرياضية في المناطق التي تدير فيها الاتحادات الانتقالية النشاط الرياضي، فخبأ اهتمامها بالدوريات التي يشرف عليها الاتحاد العام وانحسر، وإنطفأ بريق المتابعة، لأن القرار لم يراعِ لتلك الجماهير ولم يحترم ما بذلته تلك الاتحادات من جهدٍ ومالٍ لتطوير النشاط الرياضي في محلياتها، اعتمادًا على مواردها الذاتية وعلي قواعدها من الرياضيين، دون أن تتلقى دعماً من الاتحاد العام، لا في إدارة النشاط ولا في مشاركاتها الخارجية حيث كانت هي من تدفع تكاليف الترحيل والإعاشة وخدمات السفر، وكانت انديتها تجوب السودان إثراء للتنافس وإيمانًا بأن الرياضة هي جسراً للمحبة والسلام، ومنبراً للتآخي والوئام، وكذلك بحثاً عن حلم المشاركة. وبدلاً من أن يشكرها الاتحاد العام ويثمن جهدها عاقبها، وجحد عطاءها بالإقصاء فأيُّ عاقلٍ هذا الذي يعطل نشاطًا لا يصرف فيه جنيها ويصب في صميم مصلحة الكرة السودانية؟

ومن مفارقات هذا الموسم أن منافسات الاتحاد العام بدت باهتة لا روح فيها؛ فـكأس السودان فقد جاذبيته، والدوري المؤهل للممتاز لم يعد مقنعاً، وقد أحاطت بالاتحاد سلسلة من الإخفاقات والخيبات، توأثيرت العديد من ملفات الفساد التي شغلت الرأي العام وتداولتها وسائل الإعلام على نحوٍ يكشف عمق الأزمة في الاتحاد العام واتساع فجوتها.

إن الاتحادات الانتقالية، وهي تُطلق صافرة بدايات موسمها الجديد، تُثبت أنها باقية بجهدها، قوية بجماهيرها، راسخة بدورها الذي لا يُلغيه قرار متعجل أو مختلّ. فإن الاتحادات الانتقالية تصنع حضورها بإرادةٍ لا تلين، وتعلن أن الرياضة في السودان لا تُختزل في مجلس إدارة الاتحاد العام الذي اصبح نموذجا سيئا للعشوائة والعبث الاداري، كما لا تُدار الرياضة بالاقصاء والترضيات، بل تُبنى على العدل، والمشاركة، والاحترام.

فالتحية للاتحادات الانتقالية…
والتحية لإدارات الأندية…
والتحية للجماهير التي لم تُخدع، ولم تُقهر، ولم تتنازل عن حقها في رياضةٍ نزيهةٍ تحترم الناس قبل الأنظمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..