وسط الرياح

نصف قرن من الشموخ

عدد الزيارات: 1

أبوبكر الطيب

تراجعت القيم المهنية، واختفت الأقلام التي تُمسك الحقيقة بيد، والضمير باليد الأخرى، ولكن يبقى هناك رجالٌ اختارتهم الكلمة ليكونوا جنودها، واختارهم التاريخ ليكونوا شهوده…
وفي مقدمة هؤلاء، يقف الأستاذ كمال حامد، هرماً إعلامياً سودانياً وعربياً، وصوتاً ظلّ ــ لعقود ــ عنواناً للنقاء المهني والثقل المعرفي والرصانة التي لا تهتز.
اليوم، تُكرّمه وزارة الإعلام بالمملكة العربية السعودية ممثلة في الأستاذ سليمان الشمري، ضمن الاحتفال السنوي بمهرجان الثقافة السعودي بحدائق السويدي بالرياض، يوم الأحد الموافق 14 ديسمبر 2025م.
تكريمٌ يليق بالرجل، ويليق بما قدّمه وبما غرسه في الأجيال.
كمال حامد…
رجلٌ تبدأ الحكاية معه ولا تنتهي
منذ أن خرج صوته عبر الأثير لأول مرة، أدرك المستمع قبل المشاهد أن رجلاً مختلفاً قد دخل الساحة.
ليس مذيعاً عادياً… وليس محللاً يركض خلف انفعالات الاستديو…ولكنه مدرسة قائمة بذاتها.
مدرسة في اللغة، في النُطق، في السرد، في التحليل، وفي ضبط المسافة بين المعلومة والرأي.
يمتلك ذاكرة مؤسسات، ووعياً بمرحلة، وتجربة تمتد عبر قارات ومنافسات وأجيال.
هو من الذين لم يغيّرهم المنصب، ولم تفسده الإضاءة، ولم يَهن صوته أمام جَلبة الضجيج الإعلامي.
وإذا أردنا أن نبحث عن قيمة الرجل الحقيقية… فهي ليست في ما قاله فقط، وإنما في كيف قاله.
قاله بثبات.
قاله بلا خصومة.
قاله بلا انحناء لأحد.
قاله وهو يعرف أن الإعلام بلا شرف مهني يتحول إلى سهام مرتجفة.
كمال حامد
ظلّ ـ طوال مسيرته ــ يقدم رسالة إعلامية تُحترم، لا لأنها صاخبة، ولكن لأنها موزونة…
لا لأنها تبحث عن الإثارة، إنها تبحث عن المعنى.
لماذا يُكرَّم كمال حامد؟
لأنه يمثل تلك الفئة النادرة من الإعلاميين الذين سبقتهم أعمالهم إلى الناس قبل أن يصلوا هم.
لأنه وضع بصمة على مستوى الوطن العربي، لا السودان وحده.
ولأنه علّم كثيرين ــ بلا منّة ــ أن الإعلام مسؤولية… وأن الكلمة دين… وأن الجمهور ليس كتلة عابرة بل عقل يجب احترامه.
تكريمه اليوم هو تكريم لتاريخ صنعه وحده، وبجهده وحده، وبإيمانه بأن الإعلام رسالة لا تُباع في سوق المساومات.
دعوة السودانيين في المملكة…
يا أبناء السودان في الرياض والمملكة…
يا أهل الوفاء…
يا من يعرفون قيمة الرجال…
إن حضوركم لتكريم كمال حامد هو حضور لقيمة سودانية عالية، وهو اعتراف بفضل رجل حمل اسم السودان في منصات عربية وإقليمية، وبقي ثابتاً رغم تبدّل العواصف.
واهلك العرب قالوا…
قالوا في مقام الرجال الذين ترتفع بهم المهن:
إذا ما علا المرءُ علا ذكرُهُ
وإن عاش دون الرفعة اختفى صَوتُهُ
وقالوا في من يضع أثراً لا يمحوه مرور السنين:
وما المرءُ إلاّ حيث يجعل نفسَهُ
فأرفع بنفسِكَ أن تُرى لكَ أرفُعُ
وقالوا في من يُضيء لأجيال لا تعرفه شخصياً ولكن تعرف فضله:
تسامى بنور العلم حتى كأنهُ
سراجٌ إذا ما الليلُ أرخى سدولَهُ
وهكذا… يظل الأستاذ كمال حامد واحداً من تلك السروج التي لم تنطفئ…
ومن تلك القامات التي لا تقف عند حدود الزمن…
بل تقف عند حدود الأثر
والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..