وسط الرياح

المآتم… وصانعي المعجزات

عدد الزيارات: 1

أبو بكر الطيب

الساحة الرياضية عندنا، لا توجد فيها منطقة وسطى…
إما أن يُصوَّر المنتخب كأنه ذاهبٌ إلى المقصلة، أو يُرفَع كأنه جيشٌ منتصر يقوده أنبياء منزهون عن الخطأ.
وبين هذا وذاك… تضيع الحقيقة، ويضيع المنتخب، ويضيع الجمهور المغلوب على أمره.
وبين أصواتٍ تتباكى حتى آخر دمعة، وأخرى تزايد في الوطنية حتى آخر نفس… أدركنا أن مشكلتنا في السودان ليست هزيمة مباراة أو سوء اختيار لاعب…
مشكلتنا في طريقة التفكير نفسها.
١. مدرسة “البكاء المُعد مسبقاً”
هناك من يدخل البطولة وهو مقتنع مسبقًا أن المنتخب سيخسر…
وذلك لضعف فني وبدني وإداري أو لأنهم يرون الرياضة كلها “فيلم رعب طويل”:
دموع… انهيارات… نواح جماعي… وصراخ يصل الخرطوم من المغرب.
هؤلاء لا يرون في المنتخب إلا سبباً إضافياً للحزن…
كل قرار كارثة، كل اختيار فضيحة، كل بطولة نذير شؤم.
والمشكلة ليست في نقدهم…
المشكلة أن النقد عندهم يتحول إلى تشييع رياضي قبل أن تُلعب أول دقيقة.
٢. ومدرسة “التطبيل غير المشروط”
وعلى الضفة الأخرى…
هناك من يرى المنتخب مؤسسة مقدسة لا يجوز نقدها… وأن الهزيمة “وطنية”، والفشل “ظرف قاهر”، والتشكيك “خيانة”.
هؤلاء لا يسمحون بمساءلة…
لا يعترفون بخطأ…
ويعتبرون كل من ينتقد الأداء — مهما كان نقده مهنياً — أنه “عدو الدولة الرياضية”.
وهذه المدرسة أخطر من الأولى…
لأنها تُغلق الباب أمام التطوير، وتغطي الأعطال بالرايات الوطنية، وتضع الفشل في عباءة “القدر”.
٣. بين البكائيات والمزايدات… غاب المشروع
ما بين الصوتين المتطرفين:
لا توجد لغة تقييم فني، ولا مشروع واضح، ولا إدارة تفكر خارج صندوق الأعذار.
نكرر نفس الأخطاء في كل بطولة،
ونعيد تدوير نفس الوجوه،
ونتحدث بنفس الخطاب،
ثم نتساءل — بكل براءة — لماذا النتائج لا تتغير!
الرياضة ليست نبوءات…
ولا عواطف…
ولا شعارات.
الرياضة مشروع يبنى…
وخطط تُنفذ…
وأداء يُقيم…
ومحاسبة لا تتأخر.
٤. المنتخب ليس ساحة شتائم… ولا أيقونة مُنزّلة
واجبنا اليوم — كإعلام، جماهير، مراقبين — أن نقول الكلمة التي تهب وسط الرياح:
النقد ليس خيانة… والشماتة ليست رأياً… والفشل ليس قدراً… والنجاح لا يأتي بالصوت العالي.
المنتخب ليس ملكاً للمطبلين…
ولا غرضاً سهلاً للشامتين…
هو مؤسسة وطنية تحتاج عقولاً لا حناجر.
٥. قبل أن تبدأ البطولة… لنتفق على شيء واحد
مهما كان شكل المشاركة…
ومهما كانت النتائج…
ومهما اختلف الناس حول القائمة والاختيارات…
يبقى الاتفاق الأهم:
لا تقدّم للرياضة بلا نقد حقيقي.
ولا تطور بلا محاسبة.
ولا وطنية بلا صدق.
وحين نستبدل الصراخ بالتحليل…
والتطبيل بالعمل…
والسخرية بالمسؤولية…
عندها فقط يمكن أن نرى منتخباً يمثل السودان بحق…
لا منتخباً تُديره العواطف على طرفي النقيض.

واهلك العرب قالوا

خير الأمور أوسطها… وفي الوسط تسكن الحقيقة

والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..