الدرب الطويل.. عندما تتحول المرحلة الانتقالية إلى قدرٍ مفتوح

أبو بكر الطيب
في العادة، لا تُقاس الأزمات بحدّتها الظاهرة، ولكن تُقاس بطول أمدها، وبقدرتها على التحوّل من وضعٍ استثنائي
إلى واقعٍ مستقر يُدار بمنطق الاعتياد.
وما تشهده الساحة المريخية اليوم
ليس فراغًا إداريًا بقدر ما هو اختبار حقيقي لفكرة المرحلة الانتقالية نفسها:
هل هي جسرٌ مؤقت للعبور نحو الشرعية؟
أم محطة انتظار مفتوحة بلا أفق زمني؟
الخطر — كما أشرنا مرارًا —
لا يكمن في وجود لجنة تسيير من حيث المبدأ،
ولا في محاولة تنقيح نظام أساسي تعددت مسوداته وتشوهت نصوصه،
وإنما يكمن في طريقة إدارة هذا الملف،
وفي الذهنية التي تتعامل مع النصوص والآجال
بوصفها مواد قابلة للتمطيط،
لا قواعد مُلزمة تضبط المسار.
إعادة تكليف لجنة التسيير لشهرين،
ثم إلحاق هذا التكليف بمهمة جديدة تتعلق بتنقيح النظام الأساسي،
ثم الحديث عن جمعية لإجازته،
تعقبها — بعد شهرين — جمعية انتخابية…
قد يبدو هذا الترتيب، في ظاهره، مسارًا منطقيًا متدرجًا.
لكنه في باطنه يفتح سؤالًا لا مهرب منه:
أين يقف الخط الفاصل بين التنظيم والتأجيل؟
نحن هنا أمام تمديدٍ مضاعف ويتضاعف،
وإطارٍ زمنيٍ مفتوح إلى حين وحين.
هذا أمدٌ زمني لا حدود له، كما توجد مبررات جاهزة لإعادة التمديد كلما استُدعيت “الضرورة”:
الظروف الأمنية قائمة،
العودة لم تكتمل،
العضوية تحتاج فتحًا،
والنظام الأساسي يحتاج مزيدًا من النقاش.
وهكذا، تتحول المرحلة الانتقالية
التي يُفترض أن تكون جسرًا قصيرًا للعبور
إلى حالة مستقرة بذاتها
بلا نهاية واضحة ولا سقف زمني مُلزم.
وليس جوهر الخلاف هنا
ما إذا كان تعديل النظام الأساسي حكرًا على مجلس منتخب أم لا.
فالتاريخ القريب يشهد أن تعديلات جوهرية أُجيزت
في غياب مجالس منتخبة،
وأن جمعية الموردة نفسها جاءت في سياق استثنائي،
وأن شرعية بعض المجالس السابقة كانت — ولا تزال — محل جدل.
لكن استدعاء هذه السوابق اليوم
دون وضع سقفٍ زمني صارم،
ليس اجتهادًا قانونيًا بقدر ما هو
استثمار في المنطقة الرمادية
التي طالما أرهقت المريخ.
المريخ لا ينقصه نظام أساسي مُنقّح
بقدر ما ينقصه التزامٌ صريح
بأن يكون هذا التنقيح مرحلة عابرة لا ذريعة دائمة.
ولا يحتاج إلى لجان إضافية
بقدر ما يحتاج إلى موعد نهائي واضح
يعيد السلطة إلى قاعدتها الطبيعية:
الجمعية العمومية.
وإن لم يُكسر هذا النسق الآن
فإننا سنجد أنفسنا بعد أشهر
نناقش التمديد ذاته
لكن بمسودة مختلفة
وحجج أُعيد تدويرها
بينما نستهلك المعنى الحقيقي للشرعية
شيئًا فشيئًا.
وأهل العرب قالوا:
“إذا طال الأمد فسد المقصد والموت كمد”
والله المستعان



