وسط الرياح

نادي النيل… تحول المعالجة إلى أزمة

عدد الزيارات: 2
ابو بكر 2

أبو بكر الطيب

في كل مرة يعتقد فيها الوسط الرياضي أن الأزمة بلغت منتهاها، يفاجئنا الواقع بسؤال أعمق:
هل مشكلتنا في القرارات أم في طريقة اتخاذها؟

وفي قضية نادي النيل، لم يعد الخلاف محصورًا في نادٍ مأزوم أو اتحاد متدخل، لقد تمدد الخلاف ليكشف خللًا بنيويًا في فهمنا للتشريع، وحدود السلطة، ومعنى العدالة الإجرائية في الإدارة الرياضية.

عندما صدر قانون هيئات الشباب والرياضة لسنة 2016، وجرى تقليص صلاحيات الوزير، لم يكن ذلك مجاملة تشريعية ولا رغبة في إضعاف الدولة، وإنما اعترافًا متأخرًا بحقيقة مُرّة:
أن التدخل الوزاري المتكرر لم يكن حلًا، ولكنه كان في كثير من الأحيان غطاءً لعجز الاتحادات، ومهربًا سهلاً لمن فشلوا في إدارة شؤونهم عبر أدواتهم الشرعية.

يومها، قيل إن الدولة تتدخل فقط عندما تعجز الاتحادات.
لكن ما لم يُقل بوضوح، أن هذا العجز نفسه صار مستساغًا، ومطلوبًا أحيانًا، لأن الفشل يفتح باب السلطة، والسلطة تفتح باب المصالح.
من العجز إلى الاستقواء
في حالة نادي النيل، تتجلى المفارقة بوضوح.
جمعية عمومية غائبة عن الفعل، مجالس تتبدل دون مساءلة حقيقية، واقع استثماري ضخم لا ينعكس على الأداء الرياضي، ثم في لحظة الانسداد، يُرفع الشعار القديم: “تدخلوا وأنقذوا النادي”.
هنا تبدأ الإشكالية.
فحين تُعطَّل أدوات القانون طوعًا، لا يعود التدخل حلًا، وأنما يصبح تتويجًا للفشل.
إن الذين امتدحوا تدخل اتحاد الخرطوم بدعوى إنقاذ النادي من “فساد” مزعوم، تجاهلوا حقيقة أساسية:
أن القانون منح الجمعية العمومية سلطات كافية للمحاسبة والتغيير، لكنها لم تُستثمر، إما عجزًا أو تواطؤًا أو خوفًا من مواجهة شبكات المصالح.
الفحص الذي لم يُفحَص
طلب الفحص والمراجعة الذي تقدم به نادي النيل لم يكن خروجًا على النظام، لقد كان ممارسة لحق قانوني أصيل.
المثير للقلق ليس رفض الطلب في حد ذاته، وإنما كيفية الرفض.
عندما ترفض الجهة التي أصدرت القرار طلب مراجعته، دون تداول مهني شفاف، ودون جلسة حقيقية تفنّد المستندات والوقائع، فإننا نكون أمام معضلة عدالة إجرائية، لا خلاف إداري عابر.

واستقالة الأستاذ حمزة عوض بابكر – بما حملته من إفادات – نقلت القضية من مستوى الشك إلى مستوى اليقين والسؤال المشروع:
هل خشي القرار من المراجعة؟
أم أن المراجعة كانت ستكشف ما لا يراد له أن يُكشف؟
الخصم والحكم
أخطر ما في هذا المشهد، أن لجنة التطبيع وجدت نفسها – عمليًا – خصمًا وحكمًا في آن واحد.
فالقرار صادر عنها، والطلب موجّه إليها، والنتيجة محسومة داخلها.
في أي منظومة قانونية محترمة، هذا وضع غير سليم.
فالعدالة لا تتحقق فقط بسلامة النتيجة، ولكن بسلامة الطريق إليها.
عودة الوزارة… عودة الأسئلة
دخول الوزارة على خط الأزمة أعاد فتح جرح قديم.
هل نعود إلى ما قبل 2016؟
هل نُعيد للوزير سلطة التدخل كلما تعثرت الاتحادات؟
أم نُصرّ على أن الفشل الإداري لا يُعالج بقرار فوقي،وإنما بإحياء المؤسسات القاعدية؟
الخطر هنا ليس في نية الوزارة، الخطر يكمن في السابقة.
فإذا صار كل خلاف إداري طريقه المستشار القانوني والقرارات الاستثنائية، فما جدوى الجمعيات العمومية؟ وما قيمة استقلال الحركة الرياضية؟
القضية أكبر من نادي
قضية نادي النيل تجاوزت حدود النادي، لأنها طرحت سؤالًا يمس كل الأندية:
هل القرارات الإدارية محصنة من المراجعة؟
وهل الفحص حق أم منحة؟
وهل التطبيع جاء للإصلاح أم لتثبيت الأمر الواقع؟
إن تمرير هذه السابقة يعني أن أي نادٍ قد يجد نفسه غدًا أمام قرار لا يُناقَش، ولا يُراجع، ولا يُساءَل.
طريق الخروج
الخروج من هذه الأزمة لا يكون بالشماتة ولا بالاصطفاف، فقط يكون عبر:
• فحص قانوني مستقل ومحايد.
• إعادة الاعتبار للجمعية العمومية كسلطة أصلية.
• تحديد واضح لسقف تدخل الاتحاد والوزارة.
الرياضة لا تُدار بالغضب، ولا تُصلَح بالتحصين من المراجعة.
وقبل الختام :-
قرار رفض الفحص قد يفرض واقعًا مؤقتًا، لكنه لن يُغلق الملف.
فالقرارات التي تخاف من المراجعة، تعترف ضمنيًا بضعفها.
والعدالة التي لا تسمع، تفقد حقها في الإقناع.

واهلك العرب قالوا:

الحق لا يموت… ولكن الضجيج قد يؤخر سماعه

والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..