الكان الحلم الغائب

أبو بكر الطيب
ليس متشائمًا من يقول إن منتخبنا الوطني لم يملك ما يكفي للفوز اليوم على الجزائر،
ولا جاحدًا من يشكك في قدرتنا على صناعة مفاجأة في هذه البطولة،
إن المضلّل حقًا هو من يطالب الناس بالحلم، بينما الواقع يُغلق كل النوافذ.
لا نتحدث عن مباراة واحدة،
ولا عن خصمٍ بعينه،
نتحدث عن مسارٍ كامل لمنتخبٍ خرج توًّا من ثلاث مشاركات كبرى متتالية بلا إنجاز حقيقي، ويدخل الآن رابعته محمّلاً بذات العلل، وربما أكثر.
سجل لا يُكذِّب
منذ سنوات،
شارك منتخب السودان في بطولات قارية وإقليمية متلاحقة،
وكان القاسم المشترك بينها واحدًا:
• انتصارات نادرة
• هزائم متكررة
• تأهلات مشروطة بالحسابات لا بالأداء
• وخروج مبكر أصبح قاعدة لا استثناء
أفضل ما حققناه في هذه المشاركات لم يتجاوز النجاة المؤقتة من القاع، لا منافسة على الأدوار المتقدمة، ولا اقتراب حقيقي من مربع الكبار.
نلعب… ثم نودّع.
نفرح… ثم نُفيق.
ونعيد ذات الخطاب: “كسبنا خبرة”.
كرة لا تتطور… لأن بيئتها لا تتطور
المشكلة ليست في اللاعبين كأفراد،
ولا في شجاعتهم أو وطنيتهم،
المشكلة في منظومة كاملة ما زالت تتعامل مع كرة القدم بعقل الهواية، في زمنٍ أصبحت فيه اللعبة علمًا وصناعة.
لا منتخب يُبنى بلا:
• مسابقات مستقرة
• إعداد بدني وعلمي حقيقي
• جهاز فني يعمل في بيئة محترفة
• اتحاد حاضر، لا غائب
ونحن حتى الأمس القريب نسمع عن لاعبين لم يستلموا حوافزهم،
عن منتخب لم يلتقِ رئيس اتحاده وهو على مرمى حجر منهم
عن معسكرات تُدار بـ“البركة”، لا بالخطة.
فبأي منطق نطالب هؤلاء اللاعبين أن ينافسوا منتخبات جاءت:
• بطواقم مكتملة
• ببرامج إعداد طويلة
• باستقرار إداري ومالي
• وبطموح حقيقي للفوز لا للتمثيل المشرف؟
المقارنة المؤلمة
الجزائر، وبقية منتخبات المجموعة، لا تدخل البطولة لتسجيل حضور.
تدخل وهي تسأل: إلى أين سنصل؟
أما نحن، فندخلها محمّلين بكل خيباتنا،
وسقف طموحنا الواقعي إن صدقنا أنفسنا هو:
“نخرج بأقل الخسائر”.
وهنا يكمن الفارق الشاسع:
هم يلعبون من أجل البطولة،
ونحن نلعب من أجل ألا نُحرج.
لا… لن نفوز لأننا “نحب المفاجآت”
نعم، قد نصمد مباراة،
وقد نُربك كبيرًا،
وقد تُنقذنا لحظة حظ أو مجهود فردي،
لكن المنطق الكروي لا يُبنى على الصدفة.
والتاريخ القريب يقول بوضوح:
حين نواجه الكبار، نُغلق المساحات ونحلم بالخطف،
وحين نواجه المتوسّطين، ننهار…
لأننا لا نملك مشروعًا، وإنما ردود أفعال.
الكارثة الحقيقية: تسويق الوهم
الأخطر من ضعف المنتخب،
هو تزييف الواقع أمام الجماهير.
أن نبيع للناس حلم الفوز بالكأس،
ونحن لم ننجح بعد في بناء منتخبٍ متماسك،
فهذا ليس تفاؤلًا…
هذا تخدير.
وأن نطلب من الجمهور أن “يؤمن” دون أن نقدّم له أسبابًا واقعية للإيمان،
فهذه ليست روحًا وطنية،
وإنما هروب من مواجهة الحقيقة.
ماذا نريد إذن؟
نريد خطابًا صادقًا.
نريد مشاركة بلا أوهام.
نريد تقييمًا حقيقيًا بعد كل بطولة، لا احتفالًا بالخروج.
نريد أن نقول للناس:
منتخبنا يحاول… لكنه ليس جاهزًا.
يتعلّم… لكنه لم ينضج.
يشارك… لكنه لا ينافس.
هذه هي الواقعية.
وغيرها أحلام… لا تبني منتخبًا.
واهلك العرب قالوا:
الكان ما بتكسبو النية،
ولا البطولة بتجي بالهتاف والزندية
والحلم البِلا زاد… أوّل الريح تكسر جناحو
والله المستعان
