أبوبكر الطيب
أبو حمد: اختيار الكرامة قبل الاستقالة
ما جرى في أبو حمد لا يمكن وصفه بخلاف إداري في وجهات النظر ، ولا بأزمة عابرة كما حاول البعض تبسيطها، ما حدث هو زلزال أخلاقي وإداري هزّ واحدة من أكثر مناطق السودان الرياضية انضباطًا ونُبلًا في التعاطي.
إنه مشهد نادر في كرةٍ اعتادت التكيّف مع الظلم: رجال يخلعون المناصب لأن الكراسي عجزت عن حماية الحق.
القرار الذي فضح المنظومة
عندما قرر اتحاد أبو حمد، بقيادة الرجل الخلوق عبدالرحمن خالد، تعليق النشاط وتقديم استقالات جماعية، لم يكن يلوّح بورقة ضغط، بقدر ما كان يكتب بيان كرامة تاريخي
قرار واعٍ، موجع، ومشحون برسالة واحدة:
إذا صار القانون مطاطًا، فالانسحاب موقف… لا هروب.
كيف يُعقل أن يُرفض منطق قانوني في شكوى جهة رسمية، ثم يُقبل المنطق ذاته عندما يتبدل ميزان القوة؟
هذا ليس اختلاف اجتهاد، هذا تضارب فاضح يكشف ما ظللنا نقوله لسنوات:
القانون في اتحاد الكرة يُفصّل حسب الوزن لا حسب النص.
منحنى النيل… وجرح العدالة
إستاد أبو حمد لم يُبنَ بمنحة، ولا بصدفة، لقد بني بعرق أهل المنطقة، وبأموال مسؤولية مجتمعية سخّرت لتطوير الرياضة، لا لتزيين التقارير.
أن يُكافأ هذا الجهد بقرارات متناقضة، فهذا ليس ظلمًا فحسب، هذه رسالة إحباط لكل اتحاد محلي يفكر في المبادرة.
ومن هنا، فإن ما حدث لم يكن “طردًا للبعثات” كما روّج البعض، قد كان استردادًا للكرامة بعد أن أُفرغ القانون من مضمونه.
دنقلا… المُنقذ لا المُطهِّر
نُحيّي اتحاد دنقلا على قبوله استضافة المجموعة وإنقاذه الموقف وتحمله السكن والإعاشة، فهذا موقف وطني يُشكر عليه.
لكن لنعترف بوضوح:
تغيير الجغرافيا لا يُصلح الفكرة، ولا يعالج المرض ونقل المباريات لا يطهر المناخ.ولا ينظف الجرح
ما جرى هو هروب للأمام، لإنقاذ الموسم، لا لمعالجة الجرح.
من الدوري إلى المنتخب… الخيط واحد
ليس معزولًا أن يتزامن هذا العبث الإداري مع سقوط المنتخب الوطني بثلاثية أمام الجزائر.
الإدارة التي تُدير الدوري بعقلية الترضيات، وتُدير اللجان بعقلية الولاء، لا يمكن أن تُنتج منتخبًا بشخصية.
المنتخب انعكاس مباشر لما يحدث في المكاتب:
فوضى في القرار = توهان في الملعب.خسران في النتيجة
لسنا في أزمة نتائج…
نحن في أزمة إدارة مزمنة، وجوه تتبدل من موقع لآخر منذ ثلاثة عقود، والحصيلة:
لا مشروع، لا تخطيط، ولا أمل حقيقي.
أبو حمد… درس لا يُنسى
ما فعله أبو حمد يجب ألا يُقرأ كحادثة، يجب أن يقرأ كنموذج.
نموذج يقول إن المنصب ليس غاية، وإن البقاء بلا عدالة خسارة مؤجلة.
ربح أبو حمد احترام الشارع، وخسر الاتحاد العام كثيرًا من هيبته.
ويبقى السؤال الذي يرفض الصمت:
إلى متى تظل كرة القدم السودانية رهينة عقلية ترى في اللوائح أدوات، وفي المناصب مكاسب، وفي الاستقالات “تمردًا” لا شرفًا؟
واهلك العرب قالوا:
إذا فسدَ الميزانُ، فالعزلةُ عدلٌ،
وإن ضاعَ الحقُّ… فالقيامُ أولى من الجلوس.
ومن لم يصن كرامتَه بمنصبٍ
فليخلعه… فالكرسي لا يصنع الرجال
والله المستعان
